نفسياتك الآن.. أولوية

174

بقلم: د.عبدالسلام محمد خير
التكهنات بلا حدود، اللهم اجعل العاقبة خيرا.. البعض يراهن بأنه سياتي يوم يردد فيه الناس (يا لتلك الأيام)!.. يقصدون صمودهم أيام الحرب، وتواصلهم برغم الذى حدث.. اليقين يتغلغل في الجوانح، يعيد للأنفس بريقها لتمضي.. الناجون يفضفضون (الناس بقوا حساسين جدا)!..(يجبرون الخاطر بكلمة)!.. وتترى الأمثلة.. يفاجئك من ينبري متبسما فيروي القصة الخالدة (أما يرضيكم أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله؟).. سبحان الله.

إنها من مآثر الهجرة، الإيثار والمؤاخاة وطمأنة الأنفس لدى دخول المدينة المنورة، على ساكنها الصلاة والسلام (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) – الحشر.. تأمل ما بين الآية الكريمة والحديث الشريف.. كيف تتمدد جسور (طمأنة الأنفس المهاجرة) و(عطاء البيوت الآمنة) -هذه وتلك معا، وإلى يوم الناس هذا!

القدوة الحسنة كملاذ تتصدر أنجع وسائل إعمار النفوس والحرب تشتعل.. الكل يتحسس دواخله ليطمئن على تعامله مع غيره.. غاية الغايات أن يحسن الناس (الاقتداء) لتسلم نفوسهم بإذن الله.. هناك من فك كربة، وساند ضعيفا، ومن أنفق.. لسان الحال ما أحوج الخلق لوعد الخالق (واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ واللَّهُ)- البقرة.. مجتمع يتعافى بالمواقف النبيلة، الإيثار، والطمأنينة.. يتأهب بها لإعادة الإعمار.. الكل يهتف (إعمار النفوس أولا).. ويضربون المثل.

هناك من يبادرون بما (يفش الغبينة) ويلهم روح الأداء العام بنفس زكية، ذكية، متجردة.. يزينون الشاشات بشفافيتهم، بصدقهم.. ينهمكون فيما يهم غيرهم، يناهضون التهميش، التجاهل و(صرة الوش).. في الشارع العام تتراءى ملامح لخطاب عام تحصنه فضائل المجتمع وأمجاده- يريدونها عودة لذاتهم.. ملاحم المجتمع من مكنون (ذاتنا) تترى.. فكأنها مبادئ لدستور يتكفل بحقوق الأطراف كافة، يحصنها بالتراضي، بأيدلوجية جديدة قوامها (كلمة سواء) تطيب خاطر الكل- ما أمكن.

يتراءى خطاب يتعظ بما حدث.. على الشاشة من بأيديهم عينات من حصاد جديد لمشروعات خططوا لها ونفذوها والحرب دائرة!.. وأعمال إبداعية جماعية في حب الوطن، تبشر بالقادم، تلامس المعنويات لينسي الناس ما أربكهم.. تتشكل على المشهد مقومات لمناعة ضد الاستسلام قوامها ما يجبر الخاطر والحرب تتلكأ.. الموسم الزراعي في القضارف ينادي للحصاد، قطار حلفا الشهير يعاود، المصارف تتأهب، الجامعات تأخذ بالبدائل.. فى الأخبار بوادر لحراك تجاه خطاب عام مختلف يستعصم بما أفضت إليه الحرب من يقين ودروس وعبر ترتقي لمقام مشروع وطني تحصنه (سودانيتنا).. مشروع ضد الغفلة.. شعاره (نفسياتك أولوية)- لتنطلق فيما يليك بطمأنينة، في أمان الله.

خطاب محصن ضد الغفلة يسيطر على الأجواء.. في الأفق طلائع لأناس مؤهلين بقدرات نفسية ومعنوية مهولة كشفت عنها الحرب.. إعمار النفوس بقيم المجتمع شغلهم الشاغل، وحولها يتداولون.. مادة متداولة عبر الوسائط تفتي بأن (جبر الخواطر عبادة).. نعم، وأساسها الكلمة الطيبة والعمل الصالح (مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُ)- فاطر.. أحد العلماء كتب حول ما أسماه (العبادة السهلة).. محورها جبر الخواطر.. هذه العبادة تتمثل في الرضا، قضاء حوائج الناس، حسن الظن، المعلومة الصحيحة، التفاؤل بالله (أنا عند ظن عبدي بي)، ترك ما لا يعنيك – لا تدقق في عيوب غيرك فمن عاب شيئا على أحد وقع فيه، إدخال السرور على غيرك، وأن تتجاوز (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ)- جبرا لخاطر، وهذا ديدنه (مِن بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وبَيْنَ إخْوَتِي).. القرآن الكريم يفيض تسامحا وإعمارا للنفوس.. إن جبر الخاطر دليل لخطاب عام محصن بعمل صالح يقبل عليه الناس عن فطرة، بإلهام من الله تعالى.

(عشان خاطرك) سلوك إنساني معتاد يتعاظم في الشدائد إعمارا للأنفس وبثا لليقين.. فكم من أوجه الود تبذل، وكلمة تستطاب، وإنفاق سخي من وراء ظهر بنية مخلصة من جهة مفتونة بسجايا الإيثار وطمأنة الأنفس.. إن (نفسيات الناس) تتسامى (أولوية).. هي العماد لإستراتيجية تتعهد بإعادة إعمار البلاد، بدء بالنفوس.. سبحان الله، أي شيء أعظم شأنا في هذا المقام مثل أن (نقتدي) بخير الأنام، شفيع الأمة، ملهم الطمأنينة واليقين (أما يرضيكم أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله؟)- صلى الله عليه وسلم.. اللهم بارك للبلد في كل ِشأن عظيم.. الإيثار، الطمأنينة، النقاء، التقوى، العمل الصالح، وجبر الخاطر.

Comments are closed.