حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن (هدنة ياجماعة)

116

مصطلحات وكلمات يتداولها العامة تبقى ذات أثر يطول أو يقصر، يطلق أحدهم وغالبا مايكون شخص عادى فى مجتمعه ،فهذا المصطلح أو الكلمة يصبح أو تصبح شائعة بين الناس يرددها أغلبهم وتجد رواجا كبيرا وتصبح ذات مدلول يفهمها من يتعامل بها ، فمثلا فى مجال السيارات والملابس الرجالية والنسائية تجد أن موديل سيارة جديد أو نوع من الملابس أطلق عليه إسما غير الإسم او الموديل الذى أستورد به عند نزولها أو نزوله للأسواق ، فيصبح الأسم الجديد هو الأكثر تداولا بين المتعاملين بها من تجار أو مستهلكين ، ويكسب الإسم الجديد السلعة أو السيارة صدا واسعا فى الأسواق حيث يرغب أغلب المستهكلين شراء هذا المنتج مهما غلاء ثمنه وإن كان لايملك ذلك الثمن ، فعادى ممكن يستدين أو يدخل صندوق أو يبحث عن تمويل بنكى أو أقساط مريحة ليتمكن من إمتلاكه هذه السلعة التى جذبه إسمها الذى راجت به فى الأسواق ، وعندما يمتلك المستهلك السلعة تجد يفخار بإسمها الجديد ويقول لك أننى أمتلك سيارة بإسمها الجديد وليس بالموديل الذى أستوردت به من بلادها .

وعندما إندلعت حرب الخامس عشر من أبريل من العام الماضى ظهرت مصطلحات جديدة لم يعرفها المجتمع السودانى من قبل ، وأصبح مصطلح *هدنة* متداولا بكثافة فى أيام الحرب الأولى بعد إنطلاق مفاوضات منبر جده حيث أتفق طرفا النزاع الجيش السودانى والدعم السريع على هدنة لإيقاف الحرب لأسباب إنسانية وتداولت الألسن المصلح بكثافة حتى أصبحت شهرته واسعة يعرفه القاصى والدانى والمتعلم والأمن، ويفهمون أن الهدنة تعنى توقف الحرب لفترة قصيرة يستفيد منها المواطن والطرفين لبعض الوقت وبعدها يعود القتال بين الطرفين بصورة أقوى من سابقه وكأن شيئا لم يكن ، وهنا تفتقت قريحة أحد العامة بأن أطلق مصلح الهدنة على مورد مياه الشرب وتسمى *آبار البلكات* بفتح جميع حروفها وهى جمع *بلكه* وهو الطوب الذى يصنع من الأسمنت ويدخل فى بناء البئر التى يصل عمقها الى أكثر من أربعين مترا ، فعندما ينضب ماء البئر يقولون أن *البئر مغروفة* بفتح الميم والغين وضم الراء وسكون الواو وفتح الفاء ويعطونها فترة قصيرة تمتد من نصف ساعة الى ساعة أو ساعتين ويسمونها *جمومة* بفتح جميع حروفها ، وبدلا عن المصلح المتعارف عليه قديما جاءت مصطلحات الحرب لتبدله بمصلح ّ *الهدنة* وأصبح شائعا بين الذين يشربون من تلك الآبار ، وتسمعهم ينادون بعضهم بعضا *هدنة ياجماعة* وعندها يتوقف الجميع عن سحب الماء من قعر البئر .

وفى أيام الصيف تشتد الحاجة إلى مياه الشرب ويعانى سكان أغلب بلادنا من ظاهرة إنعدام مياه الشرب فى المدن والأرياف وتزداد المعاناة خاصة فى الأرياف التى تتجمع فيها أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية من الأبل والبقر والضأن والغنم وهى تستهلك كميات كبيرة من المياة بصورة يومية مما يجعل تأثيرها سالبا على إستهلاك الإنسان ، وتبدأ المعاناة الحقيقية للإنسان فى توفير مياه الشرب لأسرته ولثروته الحيوانية ، وعندها تتفتق عبقريتهم لإيجاد حلول لهذه الأزمة التى أصبحت ملازمة لهم فى كل عام ، فمنهم من يزيد من موارد المياه بحفر آبار جديدة أو التوجه إلى موارد مياه بها كميات كبيرة من المياه لسقيا الحيوان ، يدفع صاحب الثروة الحيوانية مالا مقابل السقيا حتى نهاية فصل الصيف الذى تمتد شهورة حتى نهاية يونيو وترتفع فيه درجات الحرارة بمعدلات كبيرة تزيد من إستهلاك المياه ، ورغما عن مساعى الحكومة والخيرين فى زيادة موارد مياه الشرب إلا إن نقصها لايزال يهدد حياة ملايين من السكان والثروة الحيوانية .

Comments are closed.