الحزب الشيوعي و تقدم و مآلات الصراع

117

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

أرسلت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني رسالة بصدد الدعوة التي قدمتها ” تقدم” للحزب لحضور مؤتمرها التأسيسي في أديس ابابا، و الملاحظ أن المذكرة أرجعت أسباب عدم حضور مؤتمر تقدم لقضايا تاريخية تتعلق بثورة ديسمبر 2018م و الأزمات التي صاحبتها بعد سقوط نظام الإنقاذ، و يعتقد أن الأزمات حدثت نتيجة لتباين الرؤى في القضايا المطروحة، و تقول الرسالة ( تقديم الاعتذار عن المشاركة في هكذا مؤتمر وذلك للتباين الواسع بين رؤية الحزب وأطروحات “تقدم” المقدمة للمؤتمر ومآلاتها على مستقبل ومصير السودان) و تعتقد اللجنة المركزية أن هذه الخلافات المستمرة ناتجة عن ( التباين عن خلاف عميق حول تقييم مجريات الأحداث منذ إندلاع الثورة في ديسمبر ،2018 والكيفية المغايرة لخط الثورة ومواثيقها و بعيدا عن تحقيق شعارات الثورة) المعروف أن الثورة كان لها شعاراين هما ” تسقط بس و حرية سلام و عدالة” أما بقية الشعارات الأخرى، هي شعارات حزبية يحاول كل حزب أن يجعلها شعارات ثورية لكي يمنحها ثوب القدسية. و أيضا صحيح هناك خلافات بين القوى السياسية لتباين و اختلاف مرجعياتهم الفكرية و هي التي يجب أن يقتنع الكل أنها لا تحل إلا بالحوار الجامع و ليس فرض الشروط من جانب..

تؤكد السكرتارية المركزية أن خلافها قائم على تباين الرؤى و التحليل لمجريات الواقع و تقول في رسالتها ( أن تجاذب محاور قوى رأس المال العالمي لمصير السودان مما يعنى الانزلاق إلى ذات المسار السياسي الاجتماعي، طريق التخلف والفقر وإرتهان سيادة الوطن وتهديد وحدته وتكرار تقسيم البالد. بالطبع التباين الواسع لتقييم مجريات أحداث الثورة العميقة يتبعه بالضرورة خلاف عميق في أسلوب الحل وتحديد القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في هكذا حل ومناصبيه العداء( هذا يمكن أن يكون صحيحا من وجهة النظر الماركسية، لكن ليس كل الساحة السياسية مؤمنة بالتحليل الماركسي، و إذا كان القوى السياسية مؤمنة بعملية التحول الديمقراطي لابد أن تكون مدركة إنها يجب أن تقدم تنازلات لكي تعبد طريق السير من أجل تحقيق هذا التحول..

تنتقل الرسالة إلي عتبة أخرىو تتحدث فيها خيارات الثورة حيث تقول (رؤية الحزب تقوم على إحترام خيار الثورة الذي اختطه الشعب في ديسمبر 2018 لحل الأزمة العامة قاطعا الطريق على مشروع الهبوط الناعم وخارطة أمبيكي التي كانتبموجبها حوارات بين بعض قوى المعارضة ونظام الإنقاذ المدحور حين اندلاع الثورة.) هذا تأكيد أن الهبوط الناعم أصبح من الماضي و حتى أمبيكي رحل عن الدنيا، و جأت الثورة لتسقط الإنقاذ، لكن الثورة ليس لها مشروع سياسي  عندما اندلعت، و أصبح كل حزب يحاول أن يحملها حمولاته الشخصية و يلبثها ثوبه، و هذا الفعل بالضرورة يخلق صراعا سياسيا، فالافضل البحث أداة تقرب بين المشاريع المختلفة المطروحة في الساحة السياسية، و يجعل مشروعه أنتخابي مطروح للجماهير.. صحيح يجب الاستفادة من التجارب من خلال تقييم التجربة و لكن ليست هراولة يطرق بها رأس الأخرين و محاولة تبرئة الذات.. ينقلنا الحزب الشيوعي لقضية الانقلاب و الحرب عندما تقول الرسالة (أن إنقالب أكتوبر 2021 واندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 ليسا حدثين عارضين كما تروج قوى الحرية والتغيير وقوى “تقدم” إنما حدثين موضوعيين يعبران عن عودة الأزمة الثورية الناتجة عن تماهي قوى الحرية والتغيير مع إنقالب اللجنة االأمنية العليا لنظام اإلنقاذ المدحور) الحدثين بالفعل يعبران عن أزمة سياسية و ليست ثورية لآن التوقيع على الوثيقة أنهت مرحلة الثورية، و تحتاج لدراسة ومراجعة لتجاوز سلبياتها..

يقول بيان الحزب الشيوعي أن الوثيقتين السياسية و الدستورية (لا تهيئ المناخ لعقد المؤتمر الدستوري القومي بنهاية الفترة الانتقالية الذي يؤسس لصياغة سودان جديد و كيف يحكم السودان” وليس من “يحكم السودان” إن المؤتمر الدستوي القومي يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تسع أهل السودان على تعددهم وتنوعهم وتؤسس للديمقراطية الراسخة والتنمية المتوازنة والسالم الوطيد والتسامح الديني شرطا للمساواة بين الأديان ومن ثم المساواة في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة( لا اعتقد هناك خلاف من أجل عقد مؤتمر دستوري يشمل كل القوى السياسية دون إقصاء و دون وضع أي شروط من قبل أي قوى سياسية، لكي يحدث التوافق الوطني و السير في طريق التحول الديمقراطي و ليس هناك حزب مؤهلا أن يضع شروطا و يتجاوز بها الآخرين..

و توصف الرسالة أن “قحت و تقدم” استعانوا بالخارج للعودة للسلطة (ذهبوا باصرار عنيد للاستعانة بالخارج بدلا عن العودة للجماهير صناع واصحاب الثورة، وتوظيف الحرب مع حلفائهم الدوليين والاقليميين لارهاب وترويع المواطنيين و زعزعة لاستقرارهم المادي والمعنوي وخلق الفوضى والانفلات الأمني لتشتيت قوى الثورة لعل ذلك يثنيهم عن المضي على طريق الثورة بحثا عن الاستقرار والأمن ومن ثم العودة الى كراسي السلطة) هذه حقيقة أن “قحت و تقدم” بنوا كل أمالهم على القوى الخارجية، و اعتقدوا أنها سوف توصلهم للسلطة، و هم يعلمون أنهم خسروا الشارع و الجماهير، و ليس امامهم غير روافع الخارج و هي روافع ذات أجندات ليست في صالح الوطن.. لكن أيضا متى تخرج أغلبية اللجنة المركزية الاستالينية من الفكرة الإرثوذكسية الماركسية حتى تستطيع أن تقدم رؤية أو مشروعا سياسيا تطرحه للنقاش الوطني لعملية التحول الديمقراطي، بدلا من الرجوع المستمر لافعال الماضي و تقديم الإدانات للأخرين و محاولات إبراء الذمة و التعامل بالاستاذية..نسأل الله حسن البصيرة..

Comments are closed.