الزيلعي و إثارة جدل الإصلاح في الشيوعي

46

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

أستمعت لحديث الدكتور صديق الزيلعي في ندوة بعنوان ” مستقبل اليسار في السودان” التي أقامتها المنصة التابعة لمركز الدراسات السودانية، و بدأ الزيلعي حديثه بالقول أنه يتحدث من موقع اليسار، و موقع الانتماء للحزب الشيوعي بحكم تجربته الطويلة، و قال أن حديثي الهدف منه وضع آطار عام لحوار فكري جاد، و من خلال حضوري لعدد من ندوات الزيلعي و تعليقي على كتاباته،تجد أن الزيلعي ينطلق من عتبة الإصلاح و المصطلح نفسه يحمل مضمون الإختلاف في الرؤى، و اعتقاده أن خلافات الرؤى الفكرية و الحوار بينها سوف يخلق واقعا جديدا، لآنه يؤسس لعقلية جديدة تتجاوز الإرث الخلافي القائم على النزاع و الإقصاء، و أن تجاوز هذه المرحلة بأمراضها يؤسس لأرضية الديمقراطية في البلاد..

رجع الزيلعي لتاريخ الحزب الشيوعي بهدفالتعريف عن مراحل عملية الإصلاح داخل الحزب الشيوعي.. ٌال أن تجربة الجذور التاريخية للحزب الشيوعي السوداني تتمحور في مصدرين الاستعمار و التجربة المصرية.. تجربة الاستعمار من خلال الصراع مع المستعمر طلاب كلية غردون، و الثانية التجربة المصرية حيث كان تواجد الطلاب السودانيين في مصر و انتماء بعضهم للأحزاب الشيوعية المصرية، و وصل البعض إلي مراكز متقدمة في قيادة هذه الأحزاب.. و قال أن الطلاب السودانيين الشيوعين قد تأثروا بأمراض الأحزاب الشيوعية المصرية التي تتمور في ” الانقسامات عدم أحترام الرأي الأخر و حدة الخلاف الفكري” و هي بالفعل من الأمراض المستعصية التي يلمسها أي محاور للزملاء.. الغريب في الأمر أن هذه الأمراض أكبر معيق للديمقراطية..

تحدث الزيلعي عن متناقضتين الأولى تحدث عن باب التجديد في الإطار النظري و كيف قدم سكرتير الحزب عبد الخالق محجوب عن قضايا تجديدية منذ خمسينيات القرن الماضي. ثم تحدث عن حالة الجمود التي يمر بها الحزب.. قال أن عبد الخالق أشار إلي أن ماركس و انجلس قدموا النظرية الماركسية، ثم جاء لينين و قدم أفكارا جديدة مما يدل على التغيير الذي يتوافق مع المتغييرات التي تطرح داخل المجتمعات.. لكن تجديد عبد الخالق محجوب لم يظهر على تطور الحزب و إنتاجه الفكري و حتى الثقافي.. و دلالة على ذلك حديث الزيلعي نفسه عن حالة الجمود التي يعيشها الحزب في قضايا الواقع الراهن و هي أزمة في الخطاب السياسي و التحليل السياسي و ظهر بشكل واضح بعد ثورة ديسمبر و حصل التباس في قضية الديمقراطية.. طرح الشيوعي التغيير الجذري باعتباره ردا على قضية الديمقراطية المطروحة و الصراع حولها .. و أيضا محاولة تصوير الشيوعيين أن الصراع الفكري هو انعكاس للصراع الطبقي في المجتمع و هذا تحليل نابع عن الرؤية الاقتصادية الأمر الذي يجعل السياسة كانها أدوات ميكانيكية أي ” التعامل بحرفة النصوص.. القضية التي عجزت النخبة الماركسية السودانية و حتى من بينهم الزيلعي الإجابة عن العلاقة بين ” هل الثورية و الصراع الطبقي لهم علاقة بالديمقراطية؟ واحدة من عجز الشيوعيين السودانيين فشلهم في تقديم رؤية فكرية تسقط ديكتاتورية البوليتاريا من مرجعيتهم الفكرية إذا كانوا بالفعل يناضلون من أجل الديمقراطية و يحذو حذو ما فعلت الأحزاب الأوروبية عندما وصلت لقناعة أنها ترغب ممارسة الديمقراطية من صناديق الاقتراع، اعتقد هنا تتمثل الصورة بشكل واضح للجمود الفكري عند الزملاء..

وضح الزيلعي العلاقة التي كانت بين الحزب الشيوعي السوداني و الحزب في الاتحاد السوفيتي السابق حيث كان أثر الأخير تأثيرا بليغا و أن تجربة الحزب الشيوعي السوفيتي مرسومة مسار الشيوعي السوداني وقع الحافر على الحافر، و أن التجربة الماركسية الينينية تلاحظ في شكل التحالفات التي يؤسسها الحزب الشيوعي مع القوى المدنية حيث يحاول فرض سطوة الحزب عليها، و أيضا موقف الحزب أيضا من الطبقة الوسطى، إلي جانب اللوائح و اسس العمل و التنظيم و كل ذلك يبين أثر التجربة اللينينية على الحزب.

و في محطة أخرى تحدث الزيلعي عن إشكالية ” المركزية الديمقراطية” و أثرها حتى على القرارات التي يصل إليها الحزب. و قال إذا حدث أي حوار داخل الحزب بين التيارات المختلفة تختار القيادة لجنة صغيرة لكي تلخص الحوارات و قال أن الجنة هي سوف تؤثر على النتيجة، و بالفعل أن كل الذين خرجوا من الحزب الشيوعي مؤخرا ” مجموعة الخاتم عدلان و مجموعة الشفيع خضر” بنوا نقدهم على ” المركزية الديمقراطية” بأن أي حوار فكري داخل الحزب لن ينجح بسبب تأثيرها السالب في العملية السياسية..

قال الزيلعي أنني اتحدث من موقع تطوير المؤسسة و ليس العداء لها.. مقولة الهدف منها تخفيف وطأة القول بعدها، خاصة أن الزيلعي يدعو إلي مؤسسة جديدة تكسب كل الذين يعتقدون أنهم من قبائل اليسار، مؤسسة تتبنى الفكر الإنساني صنوا مع الماركسية، و يبني الزيلعي تصوره على قوى جديدة تتجاوز الإرث اللينيني في التنظيم و اللوائح و تفتح منافذ الحوار داخل المؤسسة بهدف تنمية الوعي السياسي.. لكن تصبح الأسئلة هل القيادة الاستالينية تسمح بالتغيير؟ و هل الجمود الذي وطن نفسه داخل الحزب أبقى على زملاء يستطيعوا الدخول في معركة فكرية؟ و لماذا يقبلوا بالصراع الذي أخرج الخاتم و طرد الشفيع من الحزب من الزيلعي؟ و كما قال الدكتور طلعت الطيب العضو السابق في الشيوعي في مقال له، يقول فيه ( يظل إصلاح الحزب الشيوعي عملية مستحيلة طالما ظلت المركزية الديمقراطية هي التي تحكم حياته الداخلية لأنها تصادر تماما حقوق العضوية لمصلحة القيادة فهي العقبة الكؤود امام تطوير الحزب كما وصفها الراحل الخاتم عدلان في رائعته ” أن أوان التغيير”) حقيق أن الزيلعي مثير للجدل يحاول أن يرمي حجرا في الساكن.. أن الحزب الذي غاب منذ بداية الحرب و غطى في نوم عميق نقول للصديق الزيلعي الرجاء عدم اذعاجه…! نسأل الله حسن البصيرة..  

Comments are closed.