وفي سيرة أهل الصلاح السلوى.. (بروفسير أبو صالح آل قريب الله)

38

بقلم: د.عبدالسلام محمد خير
إطلالة بهية تدعو كل من صادفها للإستبشار وإن ضاقت به الدنيا، فيستزيد ويمضي.. ما كان يميل للأضواء والتعريف بمقامه..ها هو الآن تحيطه الذكرى والأذكار في أيام تفيض بنفحات أهل الصلاح، الذاكرين الحامدين الله..
ورد الكثير يعزز اليقين لحظة الرحيل في زمان موحش إشتدت حاجة الناس فيه للسلوى..

إلتفاف الخلق حوله سلوى وعزاء.. تتدافع الملهمات في رحيل شيخ جليل (داعية، عابد ذاكر ورع محتسب صابر) – كما ورد.. ثم إنه (متفق على وسطيته شرعا ومعشرا) – هكذا تواترت المناقب منذ هجرته للقاهرة مستشفيا، فوفاته بين جنبي العشرة الأوائل من ذي الحجة.. تقبله الله قبول الصالحين وأنزله منازل الأولياء والشهداء، وأحاط ضريحه بسحائب الرحمة والغفران.

كم من مكلوم بفقده كتب، وكم من عارفي فضله سارعوا لختم القرآن.. منهم من تواصل من أركان الدنيا معزيا بأبلغ العبارات (يا فقد الإمامة وأساس الإستقامة ورائد الشهامة).. (شيخنا وصديقنا ومؤانسنا).. (يا من حمل لبك القرآن، حضن صدرك الحديث، لمت حواسك الفقه، تشبعت أركانك بالسيرة، وثبت قلبك على التوحيد).. يفيض القول مقترنا بالدعاء (رحمك الله، طابت التربة التي وارت ثراك)- هكذا سارت بسيرته الركبان وهو يرحل إلى المقام الأرفع، به بشر الله أهل الصلاح، وله الحمد وعلى نبيه الصلاة والسلام.

أعلنت وفاته ونعته (الطريقة السمانية الطيبية القريبية) بإسم مولانا الخليفة سيدي الشيخ عبدالمحمود بن سيدي الشيخ محمد الفاتح.. فتلاحقت المشارب الوفية، شهدنا إحتفاء بسيرته يتداعى صداه بين القاهرة حيث أسلم الروح زائرا ومدن عديدة عرفت فضله ومناقبه ومقامه فى الطريقة..

تكشف للكل ما كان إدخره لنفسه تواضعا، صالحا إبن صالح، وريث صلاح (إبن الغوث الأكبر الشيخ الطيب إبن الشيخ خليفة الشيخ السمان الشهير بمجده في السودان ومصر وديار أفريقية عديدة ناشرا للطريقة السمانية، مسلكا وهداية) حمدا لله.

.. إنه خليفة الآباء والأجداد والسلف الصالح.. الشيخ البروفسير أبو صالح الشيخ الفاتح إبن الشيخ قريب الله – قدس الله سره ونفعنا ببركاته ونفحاته الربانية.

تترى سيرته على صفحات الإلكترونيات ومختلف المنابر والمقامات، عرفانا بأفضاله.. ليته شهد شهادات من شهدوا.. ليته شهد موكب وداعه يطوف أم درمان لمقره الأخير في حضن مسجدهم العامر بذكر الله.

عرفته من خلال التلفزيون، تلقاء سيرة فقهية حافلة.. ذهبنا إليه داعين ملحين، فإستجاب هاشا باشا.. هي دعوة لأن يشارك في برامج دعوية جديدة الطرح لدى بداية البث العالمي.. شعرت إنه يطيب خاطر من طرق بابه، وجاء في الموعد.. إنها سجية الكرم فيه وخاصية الإستعداد نشر العلم.. إتضح أنها متأصلة فيه.
من بعد عرفته شخصيا من خلال المسجد، ثم أسريا.. حظيت بأنه يقربني إليه أكثر في كل مرة.. يعطيك الإحساس بإنه يعرفك وحدك.. خصني بما إدخر الله فيه من بشاشة وسماحة نفس وتواضع علماء.. ظللت متواصلا معه.. قبل أيام وعن بعد صادفته على شاشة التلفزيون، فنهضت أرقبه.. إرتحت لطلته في (حضرة) محضورة بداره بثها التلفزيون.

وفى أخبار التلفزيون إن والى الخرطوم ورهط من قادة الولاية والإعلام زاروه بداره العامرة، تفقدا للأحوال- مشكورين.
بقيت مبهورا بتواضع من سيرته حافلة هكذا بما إختصه الله، كما ورد عنه من شمائل ومناقب فكأني ما عرفته من قبل.

ثم إنه حاصل على درجات علمية متميزة.. لسانس من جامعة الازهر، في الفقه المقارن، دراسة في العلوم الإنسانية بأمريكا، دكتوراة في التربية من جامعة ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، دكتوراة في الفقه المقارن من الازهر.. عمل مستشارا في مجال تخصصه بولاية بنسلفانيا بأمريكا.. شغل وظيفة مساعد مدير جامعة الزعيم الأزهري لشؤون الدراسات العليا والبحث العلمي. على مدار الأيام ظل ينتظم في دروس وحلقات علمية في الفقه المالكي، التفسير، السيرة النبوية، والتصوف بمسجد الشيخ قريب الله بود نوباوي وبداره بحي الشاطئ بأم درمان.. يحيط القوم بمقامه في كل المناسبات- تدارسا وإستفتاء.. ثم إنه شيخ الطريقة السمانية القريبية بالعالم الإسلامي.. أكرمه الله بما قدم وأسدى وبشر وأورث.

أثره باق من بعده، بإذن الله.. إن فقد أهل العلم خطب جلل، ولكن قضاء أوجب التسليم ،إنا لله وإنا اليه راجعون- على الألسنة الذاكرة.. وفيض عذب يفيض عبر الزمن (تسقي الأحبة مدامكم، فتظل في حب الحبيب تهيم).. سيرة العلماء تستطيبها المعمورة.. أبنته مصر (المؤمنة) ومساجدها العتيقة، ونعته العواصم.. بأم درمان تنادى القوم لوداعه على إمتداد النيل هذا الذى على شاطئه يفتح باب بيته.. يقبل عليه الناس كافة..وهو من بذل ذاته لكل عمل صالح، حتى والحرب دائرة.. فتح بيته (تكية) مبروكة للناس عامة.. يطعم ويسقي لوجه الله.. إلتزم داره محتسبا متوكلا على الله مستعينا بعونه ورحمته.. ظل كذلك يقدم ما يصلح الحال ويبشر بالقادم، حتى تغلب عليه المرض وأرهقه الطريق إلى بورتسودان متجها للقاهرة.. فيها لبى نداء ربه..عليه رحمة الله.

الله تعالي تولى القوم بالصبر ويقين جبلوا عليه ومضوا يشيعونه على غيرهم ليجتازوا محن الزمان متكاتفين.. كانت السلوى في إلتفاف أهل السودان ومصر في مقام وداعه ثم نهضت سيرته من حيث كانت توسدت تواضعه علما ومقاما.. سيرته هي السلوى.. بها بلغ مقام أهل الطريق في سجوده الأخير السرمدي، بمسجد والده شيخ الطريقة – قدس الله سره الشيخ قريب الله.

المشهد في وداعه مهيب، وهو يعلو تحيطه السكينة.. فكأنه من مقامه مغادرا يلوح بكلتا يديه مستبشرا كعهده يخاطب القوم: جزاكم الله خيرا، إرجعوا إلى تلاوتكم وإقتدائكم بالسنة، أمضوا إلى سلامكم، عودوا إلى بيوتكم وعمروها بأكثر مما كانت، أفرحوا بعيدكم وكل عام وأنتم على صلاح وتقوى، حمدا لله وتمسكا بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.. أي شيء هي السلوى؟.

اللهم أكرمه في مقامك يا أكرم الأكرمين، وتقبل دعاء من تنادوا لوداعه محبين له أوفياء لنهجه.. وأجعل اللهم الصبر حليف أبنائه البررة، وعزز مقام أستاذنا الشيخ عبد المحمود، وبارك في منابع إلهامه.. العزاء موصول لجميع آل البيت الطيبي ومعشر أحباب الطريق وأهل الطريقة السمانية، بارك الله في سعيهم وأخلف عليهم أضعافا، مدرارا.. و(إنا لله وإنا إليه راجعون).

Comments are closed.