إلي أين يتجه السودان برؤية المستقلين؟
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
إذا نظرنا لتجارب التغيير في انظمة الحكم في السودان من النظم الشمولية إلي الديمقراطية، نجدها تختلف من واحدة إلي الأخرى، و مصحوبة بالضعف المتدرج في العملية السياسية. في ثورة أكتوبر 1964م، كانت الفترة الشمولية صغير ست سنوات و لم تشارك فيها القوى السياسية في عملية صناعة القرار في السلطة، لذلك أحتفظت القوى السياسية بقوتها الاجتماعية، و أيضا كانت القوى المدنية الأخرى ممثلة في النقابات تحتفظ بقوتها و فاعليتها و خاصة في العمال و المزارعين و الطلاب، هذه القوى استطاعت أن تنشر الوعي السياسي وسط قطاعاتها و المحيط الذي حولها، لذلك لم تتعقد الخلافات السياسية لكي تصل مرحلة الذهاب لعملية الاستقطاب الحاد في المجتمع و تخلق نزاعات حادة فيه..
في انتفاضت إبريل 1985م تراجع دور الأحزاب بسبب دخول أدوات العنف كعامل مؤثر سالبا في عملية التثقيف و الوعي السياسي من خلال ” الجبهة الوطنية” التي شاركت فيها الأحزاب التقليدية ” الاتحادي – الأمة – الحركة الإسلامية” أن دخول العامل المسلح أضعف الأحزاب في دورها التوعوي و التثقيفي في المجتمع، فكان الكل منتظر المعركة العسكرية للجبهة الوطنية لكي تقضي على حكم العسكر، و كان اليسار ممثلا في الأحزب الشيوعي يعاني من ضعف كبير بسبب الانشقاق الطولي الذي تعرض له الحزب الشيوعي، و إعدام عدد من قيادته.. لكن إذا نظرنا للجانب الأخر نجد أن الصراع السياسي خاضته الحركة العمالية و الاتحادات الطلابية، و أدى إلي ثورة شعبان في 1973م، و بعد الحركة المسلحة التي اشتهرت ب ” المرتزقة” و المصالحة بين حزب الأمة و الإسلاميين و دخولهم الاتحاد الاشتراكي، حصر نجاح الثورة في استنفار الجماهير في العمل النقابي، لذلك كان دور النقابات المهنية كبير، و حتى بعد نجاح الانتفاضة كان التفاهم بين العسكر و الحركة النقابية و الأحزاب لم يواجه أي تعقيدات تذكر، و يرجع ذلك للوعي الذي كان متجسدا في القيادات النقابية..
إذا انتقلنا إلي ثورة ديسمبر 2018م نجد أن الصدام بين السلطة و الجماهير في سبتمبر و ديسمبر 2018م بدأ في الشارع بقيادات غير منتمية و هامشية، و هذا يعود لأن القوى السياسية منذ الشهر الأول للانقلاب اختارت العمل المسلح لمواجهة نظام الجبهة الإسلامية. و ذهبت متحالفة مع الحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرنق، هذا التحالف العسكري السياسي قدم العسكر على السياسيين فكانت الحركة الشعبية و القيادة الشرعية للجيش و قوات التحالف السودانية و قوات البجا و الأسود الحرة و غيرها تتقدم على القوى السياسية. و بعد 2003م ظهرت حركة بولاد ثم من بعدها الحركات المسلحة الأخرى في دارفور.. أن ظهور الحركات المسلحة و قناعة الأحزاب بالتغيير عبر البندقية أدى لتراجع دور الأحزاب في تطوير أدواتها و تلاحمها مع الجماهير، و هذا التراجع تسبب مستقبلا في زيادة ضعف القوى السياسية من النواحي التنظيمية و الفكرية، لذلك ضعف دور التجمع الوطني الديمقراطي و جاءت أتفاقية نيفاشا “2005م” لتؤاكد ضعف الأحزب عندما نالت في القسمة الضيزي للاتفاقية 14% فقط و الحركة الشعبية على 28%.. هذه القسمة جعلت الاتحادي الأصل يفضل الاستمرار مع النظام بعد انفصال الجنوب، أن مولانا الميرغني كان مدركا لضعف الحزب و القيادة التي تديره و لا يستطيع أن يدخل في مشاحنات مع النظام،، و أيضا انقسم حزب الأمة و بعضهم التحق بالمشاركة في النظام، و الحزب الشيوعي رجع للمعارضة و لكن الصراع الذي كان داخله و رحيل نقد قد أثر بشكل كبير في أداء الحزب الذي عجز عن إدارة الصراع لمصلحة التحول الديمقراطي حتى بعد نجاح الثورة، حيث أصبح دوره سالبا، اعتمد على حركة إندفاع الشباب دون أن تكون له رؤية، و ظل دور الحزب باهتا وقف عند الجبهة الجذرية التي لا صدى لها و لا فعل..
أن واحدة من أكبر المؤثرات في العمل السياسي هي الحركة الطلابية في الجامعات، و التي كانت تعد رأس الرمح لحركة الوعي الجماهيري.. أن ضعف الأحزاب السياسية أثر على دور الحركة الطلابية خاصة للقوى التقليدية ” الاتحادي – الأمة – الشيوعي إلي جانب القوميين العرب بكل تياراتهم ” هذا الضعف أدى لبروز حركتين ” الطلاب المستقلين – المحايدين” و هي حركات في بدأية نشأتها كان البعض يرفض العمل السياسي داخل المؤسسات التعليمية، و أيضا موقفها المناهض للأحزاب السياسية، و رغم هذه الرؤية الرافضة للحزبية إلا أنها حركات ليس لها مرجعيات فكرية تستطيع من خلالها أن تقدم رؤية سياسية، فظلت حركة رفض ليست محكومة بمشروع سياسي.. أن الرفض الذي لا يؤسس على مشروع سياسي أو مرجعية يحتكم إليها، و على ضوئها يمكن محاسبته، تصبح مواقفه تتقلب على حسب المعطيات الجديدة في الساحة و تتلون حسب الرغبات، و مثل هذه التكوينات لا تتخوف منها النظم الشمولية بل تحافظ عليها لسببين .. الأول أنها سوف تتصدى لأي قوى سياسية ذات مشروع حتى لا تدخلها في تحدي سياسي معها أو مع غيرها.. الثاني أن عدم المرجعية و المشروع السياسي سوف يجعل العضوية تقع تحت دائرة الاستقطاب..
أن حركة المستقلين و المحايدين في الجامعات أضعفت العمل السياسي الطلابي، و أثرت في فاعليته، و جعلته عرضة للمساومات حتى مع القوى التي تمثل الضد، أهتمت بالخطابة الخالية من مرجعية.. و إذا نقلنا ذلك للساحة السياسية،نجد أن أغلبية القيادات التي قدمت في الفترة الانتقالية كانت متأثر بدور الحركة الطلابية التي ضعف دورها في العقدين الآخيرين من حكم الإنقاذ، و لم تشكل له تحديا يذكر، هذا الضعف السياسي و الفكري هو الذي أثر سلبا في الفترة الانتقالية، و الملاحظ لم تقدم فيه أي مشاريع سياسي لأنهم لم يهتموا بها بذلك كانت وجهتهم هي السلطة دون انتخابات و هم الذين يحددون فترتها، لذلك ليس مستغربا أن يخضعوا إلي الإملاءات الخارجية و قبول مشاريعهم منها “الاتفاق الإطاري” الذي قدمته مساعدة وزير الخارجية الأمريكي مولي في.. السؤال هل سوف تظل الأحزاب السياسية بضعفها هذا خاضعة لمشاريع خارجية تملا عليها من قبل دائرة المستقيلين.. نسأل الله حسن البصيرة..
Comments are closed.