(حكاية من حلتنا) يكتبها: آدم تبن: يقسموا اللقمة بيناتم

105

بالتأكيد يعرف جميع أهل بلادى كلمة اللقمة وهى قطعة من طعام يقطتعها الآكل بيده من طعامه الذى أمامه ليسد بها جوعه إن كان ذلك الطعام شهيا أو عاديا ، وإرثنا الثقافى الى وقت قريب كان يعتمد على تقديم الطعام على موائد يجلس حولها الناس ويتناولون طعامهم بأيديهم ، ألا أن البعض منا تأثر بثقافتنا أخرى يأكل فيها الشخص لوحده ، وهى ماتعرف بثقافة السرعة (الساندوتش) أو (الكوكتيل) وهى معروفة بفقرها وعدم كفايتها للشخص الواحد مما أفقدنا كثيرا من الجوانب المشرقة التى كانت حاضرة فى موائد طعامنا، وأصبح الجائع يبحث عن بواقى الطعام ولايجدها خاصة فى المدن الكبيرة وأسواقها ، فإن لم تتملك المال فليس أمامك إلا أن تشيل الصبر على جوعك وهو لايحتمل إلا لبعض الناس الذين لديهم قابلية لتحمل الجوع لفترات طويلة أو من يلجأون الى حيل أخرى بشراء بعض الأطعمة رخيصة الثمن معها كوب ماء شرب ليظفروا بوجبة تفك جوعتهم ، وأهلنا يقولون أن الجائع لاينتظر فورة البرمة و(البرمة) بضم الباء وفتح الراء والميم لمن لايعرفها هى إناء يصنع من الطين اللبن أو الفخار الذى يحرق بالنار ويوضع بداخلها دقيق الذرة ويضاف إليه الماء ويسمى (العجين) وينتظر لمدة حتى يفور وبعدها يستخدم لصنع الكسرة والعصيدة التى تفك جوعة الجائع .

وهذه اللقمة التى عرفناها آنفا يقوم شخص بإقتسامها من شخص آخر يطلب بعض الطعام فيفضله على نفسه مهما كان جوعه وهنا تتجلى روعة الإيثار والتكافل بين المجتمعات فى بلادنا أفرادا كانوا أو جماعات ، لذا تجدنى كثير الإمتنان للزملاء بوزارة الثقافة والاعلام والسياحة بولاية الخرطوم الذين بادروا بالمساهمة فى علاج أحد الزملاء لم يطلب هو المساعدة بل قام آخرين نيابة عنه بالمبادرة وطرحها لزملائهم ولا أريد أن أذكر أسم واحد منهم لأن مبادراتهم جاءت فى وقتها ونسأل الله تعالى أن يجازيهم بالإحسان إحسانا، وعند إعلانها رحبوا بها أيما ترحيب ولم يترددوا فى إخراج مساهمات مالية معتبرة تنم عن وعى وحب لأعمال الخير والبر والصدقات ، تجاوزوا التعلل بعدم صرف رواتبهم لمدة عام إلا شهرا وذلك بسبب حرب الخامس عشر من أبريل من العام الماضى التى يدفعون ثمنها مثل الآخرين من أهل السودان ، ولم لا فهو أحد الزملاء الذين يمرون بنفس الظروف الصعبة والقاسية والمرضية ، ويحتاج الى المال لمقابلة تكاليف العلاج والتنقل باهظة الثمن ، فكانوا فى الموعد رجالا ونساءا أدخلوا الراحة فى نفوس الجميع ، حتى من لم يستطيع أن يساهم بماله ، فقد ساهم بفكره ورأيه والدعاء والتضرع الى الله سبحانه وتعالى ، محققين حديث النبى صلوات ربى وسلامه عليه القائل فيه (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

وحكاية من حلتنا تنقل مثل هذه المبادرات الإجتماعية والأعمال الخيرة فى مجتمع صغير فى مؤسسة رسمية يعيش عمالها فى ظروف بالغة التعقيد ، لكنهم قدموا خيرهم لزميلهم تضحية بماعندهم من مال قليل يرجون ثوابه من الله تعالى ، فهناك الكثير من المبادرات فى المجتمع تتعدد للوقوف بجانب المحتاجين والمتضررين من جراء الحرب الدائرة لأكثر من عام ، فقدمت مبادرات للإطعام وأخرى للمأوى والكساء والدواء ، حتى النقل والمواصلات وجدت حظها من المبادرات التى وجدت الإستحسان والقبول من المجتمع ، وهذا ليس بغريب على مجتمعنا فهم أصحاب مبادى وقيم إسلامية راسخة الجذور ، من الصعب أن تطمسها أحداث عابرة لاتلبث إلا قليلا ، رغما عن ماتراه العين وتسمعه الأذن وتنقله الوسائط عن تغير كبير حدث فى أخلاق بعضا من أفراد المجتمع حيث أصبح الحرام حلالا فى نظر البعض ، وهنا نقول علي مجتمعنا أن يتمسك بجميل أخلاقنا ومبادئنا الإسلامية الرائعة التى إقتبسناها من الشريعة السمحاء التى جاء بها رسولنا الكريم محمد صل الله عليه وسلم تسليما كثيرا ، ولانترك لشياطين الإنس والجن فرصة يتسللون من خلالها لتغير حالنا من طيب الى خبيث ، وإنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن هم ذهبوا أخلاقهم ذهبت.

Comments are closed.