يلحون في الدعاء ويستبشرون.. للفرحة بقية
بقلم: د.عبدالسلام محمد خير
بعيدا عن الوطن وداخله تتلاحق المتاعب والهموم بإنتظار وعد السماء لمن كظموا غيظهم.. الكل ينظر لأعلى، يترقب السماء.. فجأة تجتاح الوجوه أجواء من الإرتياح!.. فكأنها ما كانت عابسة يائسة شاردة، قبل قليل.. لا تجد تفسيرا، ولا أحد ممن ضالتهم حقيقة الأمر يبحث في سر الأنفس التي أنهكتها الحرب وبقيت صامدة (بقدرة قادر).. الكل يدرك أن حمل النفس على التبسم أمام العاصفة (حالة نفسية).. نسمة عابرة.. المشهد أشبه بمقام (ما صدقنا)!. ما صدقنا إننا نسيناك للحظة أيتها الماكرة، يا حربا لا تشبه الحروب، فعلت بأهل السودان الأبي ما لا يشبههم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هنا وهناك، يتكرر المشهد.. أصل الحكاية الرائجة داخل البلاد وفى المهجر هي أن شموخ أهل السودان يحدث عن نفسه.. لسان الحال واحد (فلتفعل الحرب ما تفعل، فلن تسلبنا هويتنا وجيناتنا وأصالتنا).. يتراءى مشهد ربة البيت وهي تودع من (توكلوا) خارجين.. ولمة الدكان وقد أمهم لصلاة المغرب عابر سبيل يذكرهم بذاك (الأشعث الأغبر) إذا سأل الله لأبره- الرواية.. صلى بهم ودعا لهم وللبلاد وجيشها وتبسم ومضى.. حول التلفزيون الحال هو الحال.. يبدأون ويختمون ويستبشرون بالدعاء.. خطاب عام يتشكل قوامه سلام يعم وعودة غانمة.. الكل يستبشر بقادم يريدونه أفضل.. إن وراء الحرب سرا يعلمه الله، يجعل الأكف تتجه إلى السماء آن الليل وأطراف النهر، وإن تمادت الحرب، قاتلها الله.
يتجدد المشهد.. مواجهات وشهداء وجرحى ونازحين وعلامات متفائلة تلوح.. الأكف المتجهة نحو السماء تتعجل النتائج.. (كل أمر المؤمن خير) ثقافة شائعة بين لوازم الصبر.. قناعات غلابة تلاقيها أينما توجهت وإن جادلك متشائم.. الحرب مستمرة على حساب الأبرياء.. البعض يجاهر وعينه على ثمن الحرب (راجعوا دعاءكم).. هناك من ينوه صراحة بأن للدعاء المقبول شروط، معلومة بالضرورة.. أين يذهب الدعاء والحرب دائرة؟.. كلنا إنتبهنا، وراجعنا أنفسنا وما تعلمناه في المدارس.
كل من تصادفهم في هذه الآونة مهمومون بحثا عن سلاح معنوي يناصر من نالوا شرف مواجهة العدوان بأسلحة العصر.. في المجالس والمنصات والقروبات يتكرر نداء الدواخل (الدعاء مخ العبادة).. بل (الدعاء هو العبادة).. (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).. هناك ملامح لتحول في إهتمامات الناس والحرب دائرة.. يقولون إن القرب من الله ديدن الشدائد.. أمم عديدة واجهت نيران الحرب بالعودة إلى ذاتها، فأدركت سر (الدعاء) أمضى الأسلحة لمواجهة المتغيرات، بالخوف من الله.
نعم، ويأتيك بالأذكار والتذكرة من لم تزود.. جوالك الذى في جيبك، أهلك والأحباب (الخايفين عليك وأنت مغادر).. الكل يذكرك بدعاء الخروج من المنزل، يفتيك في شروط الدعاء المستجاب والدانات تدوي.. كل واحد يعلم واحد، اليقين يسود.. يستعجلون إجابة الدعاء، فالحرب إلى نهاية (بقدرة قادر).. لا حول ولا قوة إلا بالله.
يتجهون للسماء نعم، ولكن إتخاذ الأسباب واجب – يقول الفقهاء.. وعامة الناس.. الدعاء يحتاج إلى(جكة).. وفى القصة الرائجة أن هناك من تعجل الفرح بقبول دعائه، فطمأنه شيخه، ثم همس إليه بأمر مهم (يا إبني.. الدعاء يحتاج إلى جكة)!.. فهم وفهمنا أن المقصود (إتخاذ الأسباب).. ومنها الكسب الحلال، العمل الصالح، أن تمد يمينك لغيرك دون أن تراها شمالك، صلة الأرحام، قيام الليل، وجميعه يحتاج إلى(همة)، إلى(جكة)، أهل اللغة يرجعونها إلى(ثقافة الدعاء).. الدعاء يتطلب(همة) مثل كل جهاد للنفس.
إستجابة الدعاء تشغل الخلق.. ورد أنه من لا يستجاب له: (الرجل يمد يديه إلى السماء يا رب يارب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)- رواه مسلم.. قصص الأنبياء تكاشفنا في سر الإستجابة.. نبي الله موسي عليه السلام دعا (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) بعد أن (فَسَقَىٰ لَهُمَا)- القصص.. هلت بشائر الإستجابة قبل أن ترجع كفاه- كما تصور المشهد بعض المفسرين: (فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍۢ).. فكان الزواج ،العمل، ثم النبوة.. إن (الرجوع لله، الحمد، العمل الصالح والاستغفار) بين وسائل الأنبياء للدعاء القبول بإذن الله.. (حسن التوكل) إستنجد به نبي الله شعيب (عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) -الأعراف.. نبي الله يونس تقرب لله بالتوحيد والإستغفار (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).. (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) وجاء التعميم:(وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) – سورة الأنبياء.. خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خص البشرية بدعاء (يوم عرفة) الجامع، المبشر بالإجابة: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير).
الإستجابة متاحة، فالأمر سهل لمن هداه الله.. العمل الصالح محفز للدعاء المستجاب.. يتجلى أثره عبر (همة) بذلت، كقيام الليل مثلا، قرين الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. على الجوال تحنو إليك كالبشرى منظومة روحية محفزة للإستجابة.. صيغ الدعاء، ساعة الإجابة، آخر الليل، بين الأذان والإقامة، قبل السلام، بين الظهرين، قرين حسن الظن بالله والصلاة والسلام على رسول الله.. هناك من ينادي في الناس على طريقة (اللهم فأشهد): علموا أبناءكم وبناتكم الدعاء (ليحفظهم من مخاطر الحرب والجوال والطريق).. وهناك من يذكرونك بدعاء الخروج من البيت وركوب الدابة وصرف الحسد والمرض والغم، ويبشرون بالعاقبة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)- غافر.
القادم أفضل بإذن الله.. لسان حال من فقدوا وفقدوا وبقوا يتضرعون لله ويندفعون لعمل الخير.. سألت مهتمين باللغة عن أصل هذه الكلمة (جكة).. قيل إنها عمل هميم يعزز القول ويلهم الإحسان (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ) -يونس..العمل بهمة ومن قبيل (الإحسان) هل يصبح سلوكا (عاديا)؟.. (الإدارة بالأهداف)آخر نظريات الإدارة، ركزت على(الإحسان).. والآن مواجهة (حرب ما بعد الحرب) تستدعي نظرية (الإدارة بالهمم) وفق إستراتيجية تأخذ طابع (الجكة) تؤسس لمنظومة (سباق وطني) حميم بناء، غيرعادي، لماذا لا؟.
فاجأني من يهتف بها (نحن لها)!.. قائد (قافلة دعم وإسناد وتفقد الجرحى بولاية الجزيرة) يملأ الشاشة: (فعلنا ما يفوق الخيال)!.. ما (يفوق الخيال)؟!.. حمدا لله، أغنانا عن (الكلام) بعمل يحفه الإتقان (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).. هناك (ما يفوق الخيال) ليحفظ البلاد وتماسكها- دعاء الحاضر، ودائما.. الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
Comments are closed.