الزمن المفقود رواية صينية عن هموم البسطاء

29

القاهرة :(صحوة نيوز)

عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدرت رواية «الزمن المفقود» للكاتب الصيني وانغ شياوبو، بترجمة عن الصينية مباشرة للمترجم والباحث أحمد السعيد. تنتمي الرواية إلى الأعمال الإبداعية القصيرة؛ إذ تقع في 150 صفحة من القطع المتوسط وتتسم بالإيقاع السريع والأسلوب الساخر لشخصيات عدة تنتمي إلى البسطاء والطبقة المتوسطة في المجتمع الصيني في حقبتي الستينات والسبعينيات إبان ما عرف آنذاك باسم «الثورة الثقافية».

البطل هو وانغ أر الذي يحكي «زمنه المفقود»، وهناك السيد بروفسور الرياضيات الجامعي الذي أصيب بضربة بين فخذيه من سائق سببت تسميته باسم غريب يسبب حرجاً اجتماعياً. وكذلك هناك السيد ليو الميت في سبيل بطة، ومن النساء يعرفنا الراوي وانغ أر على بطلتين، أولاهما «فتلة»، زميلة التهور ونجمة الزمن المفقود والحب الضائع ورفيقة المغامرة وتشوان لي التي تشبه أغلب نساء الأرض، طيبة وجميلة وعادية، ويمكن أن يكون ذنبها في الزمن المفقود أنها عادية. ويتقاطع اسم هذه النوفيلا مع الرواية الخالدة للكاتب الفرنسي مارسيل بروست «البحث عن الزمن المفقود»، ولكن وانغ شياوبو هنا لا يبحث عن أي زمن، بل يسرده ليجعلنا نعيش مفارقة أن هذا المفقود ما زال يعيش في عقله وهو يمسك جيداً بكل تفاصيله كحاضر يعيشه.

ويقول المترجم أحمد السعيد في تقديمه للرواية إن المؤلف وانغ شياوبو يبدو كما لو كان صعلوكاً يقطر حكمة، هائم يحول الغريزة إلى بلاغة. يكتب عن الجنس فيجبرك على التفكير في السياسة، يكتب عن الحب فتفكر في مغزى الحياة وتناقضاتها. يسرد قصصاً عن حياته فلا تعرف إن كان تقمص ماركيز في واقعيته السحرية أم تلبسه برنارد شو في سخريته اللاذعة. قيل عنه في الصين: «سحق وانغ شياوبو كل من كتب عن الجنس قبله وأغلق الطرق على من سيأتي بعده». إنه الشاب الذي توقف قلبه فجأة وهو في منتصف عقده الرابع ويٌعدّ بحساب الأرقام من أكثر كتاب العالم تأثيراً، كيف لا وهو ملهم وملك متوج في الصين على قلوب مواليد منتصف السبعينات حتى نهاية الثمانينات وينافس الأحياء اليوم على لافتات الأكثر مبيعاً في الصين. وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً على رحيله، لا يخلو عام من طبعة جديدة لأعماله.

ولد وانغ شياوبو في بكين عام 1952 وهو العام نفسه الذي اتُهم فيه والده الثوري الشيوعي الذي عمل في فيلق الجيش الصيني طوال عمره بتهمة «الطبقية ومعاداة الاشتراكية»؛ فتكدرت الأحوال على الأسرة. بعد خمس سنوات تغيرت الظروف للأفضل قليلاً حينما قابل والده ضمن وفد من الشيوعيين زعيم الصين ماو تسي تونغ. انتظم الطفل شياوبو في دراسته الابتدائية، ولكن ما هو إلا عام حتى قامت حركة «القفزة الكبرى للأمام» التي لا تخلو كتاباته من الإشارة إليها وصولاً لعام 1968 وهو في الصف الأول بالمرحلة الثانوية، حيث اندلعت «الثورة الثقافية الكبرى» وكلف العمل في فيلق الجيش الصيني في مقاطعة يوننان الحدودية، وهى مسرح أحداث معظم أعماله الأدبية.

درس الإدارة حتى عام 1984 وانتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية مع زوجته لي ينخه التي اقترن بها عام 1980، والتحق بمركز الدراسات والبحوث الآسيوية وحصل على درجة الماجستير ثم تجول في أنحاء أميركا لفترة وعاد إلى الصين ليعمل مدرساً في جامعة الشعب الصينية ومن بعدها جامعة بكين محاضراً لمادة المحاسبة. استقال من العمل الأكاديمي في عيد ميلاده الأربعين وتفرغ للكتابة، ولم تمضِ إلا خمس سنوات من التفرغ الذي تمناه حتى جاء يوم 11 من أبريل (نيسان) عام 1997 وتوقف قلبه فجأة دون مقدمات ليفارق الحياة وهو في أوج عطائه الأدبي وذروة نضج إبداعه قبل حلول عيد ميلاده الخامس والأربعين.

كتب وانغ شياوبو الراوية القصيرة والمقال والشعر، وله سلسلة قصصية هي أشهر أعماله الروائية تحمل اسم «العصور الثلاثة»، أي العصر الذهبي والفضي والبرونزي، وتشترك أعماله القصصية في أن جميع أبطالها شخصية واحدة تحمل اسم «وانغ أر»، وفيها يقصد وانغ شياوبو نفسه بهذا الراوي أو البطل الثابت في أعماله، فالشخصية لها اسم العائلة نفسه الذي يحمله الكاتب وانغ، ولكن الاسم الشخصي مختلف في تعمّد من شياوبو ليكون اسم بطله «أر» الذي يعني بالصينية الرقم 2، لكنه في اللغة الدارجة لأهل بكين يعني الشخص الأرعن الأبله الذي لا يحسن التصرف.

من أجواء الرواية نقرأّ:

«دخل السيد لي حجرة الاجتماعات الكبيرة، بداخلها منضدة مربعة كبيرة يجلس عليها شخصان، أحدهما مساعد رئيس المنجم والثاني فتاة ترتدي معطفاً عسكرياً له أزرار مفتوحة وتحته زي أزرق تشي ياقته المفتوحة برداء أحمر زاهٍ. بيضاء البشرة، وجهها يشبه ثمرة الخوخ، عيناها رطبتان وفمها صغير وشفتاها حمراوان، باختصار هي جميلة للغاية. لم يكن هناك شيء غير مفهوم، فتاة جميلة تأتي للمنجم. يقولون إنها جاءت للبحث عن شخص ما وصحبها مساعد الرئيس، لا يوجد ما هو غير طبيعي ولا غير مألوف. يقول السيد لي: تعجبت لماذا جاءت للبحث عني؟ بنظرة متفحصة أجدني أعرف هذه الفتاة. رأيتها من قبل في معهد التعدين أو في مدرسة الكوادر، ولكني لا أعرف اسمها. رفعت الفتاة رأسها ناحية السيد لي وصرخت: (يا خالي)! انتبه السيد لي وفكّر قائلاً: مَنْ؟ أنا خال هذه الفتاة، ليس لدي أخوات من الأساس، من أين أتت؟ قال مساعد الرئيس: سأترككما قليلاً لتتحدث بحرية مع بنت أختك».

Comments are closed.