الزين صالح يكتب: جنيف لوقف الحرب أم دعاية انتخابية؟

54

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما أعلنت الإدارة الأمريكية أنها عينت مبعوثا أمريكيا خاصا للسودان “توم بيرييلو” كان التعين يشير إلي نقل ملف الأزمة السودانية من وزارة الخارجية إلي الرئاسة، وقام بيرييلو بطواف على أغليية الدول التي تحيط بالسودان إضافة للسعودية، و التقى بالقيادات المهتمة بالملف فيها، ثم ألتقى بالسودانيين المتواجدين في تلك الدول، و بعد كل هذا الطواف كان قد حدد عدة أزمنة لبدء التفاوض، و يأتي الزمن المحدد ثم يطرح زمنا أخر، كانما يريد أن يقول أنا موجود.. هذه المرة؛ الخطاب جاء مرة أخرى من وزارة الخارجية الأمريكية بتحديد زمن التفاوض في 14 أغسطس في جنيف بسويسرا، و سوف يحضره وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.. الأمر الذي “قوم نفس” العديد من القيادات السياسية التي طرحت مناشداتها أن يلتزم المدعون بالحضور.. إلا وزارة الخارجية السودانية التي قالت سوف تتم عملية تدارس الدعوة ثم الرد عليها.

الأسئلة التي يجب أن تطرح: لماذا قرر وزير الخارجية الأمريكي حضور التفاوض بنفسه؟ هل من أجل الضغط على المتفاوضين للوصول لوقف إطلاق نار؟ أم أنه يريد فقط وقف لإطلاق النار لكي يكون النجاح الوحيد الذي حققته إدارة بايدن في العلاقات الخارجية في فترة رئاسته، و يكون بمثابة دعم لنائبته المرشحة للرئاسة في نوفمبر القادم؟ و أيضا لماذا تصر أمريكا فرض الأمارات على المتفاوضين بحضورها المفاوضات؟
أن المفاوضات تتعلق بالشأن العسكري ” وقف إطلاق النار” و أيضا تتعلق بعملية مرور الإغاثة للمحتاجين لها في المناطق المختلفة في السودان.. أن إرسال خطاب الدعوة لوزارة الخارجية يعني ضمنيا الاعتراف بالحكومة السودانية، و هذه بادرة جيدة.

الآن الكورة في ملعب وزارة الخارجية أن تطرح كل التساؤلات التي تحتاج لتفسير وتقدمها لوزارة الخارجية الأمريكية، بعض منها لماذا تصر أمريكا حضور الأمارات الداعم الرئيس للميليشيا.. رغم أن السودان قد رفض حضورها عندما جاء نائب وزير الخارجية السعودي وليد عبد الكريم الخريجي إلي بورتسوان يحمل ذات أجندة حضور الأمارات مستقبلا.. يجب قبول كل التقارير التي صدرت و التي تحدثت عن الإنتهاكات التي قامت بها الميليشيا ضد المواطنين، و الإبادة و التهجير الذي قامت به أيضا في ولايات دارفور وغيرها.

كثير من الناس يعتقدون أن التفاوض يعني التنازل، و رجوع الميليشيا مرة أخرى للساحتين العسكرية و السياسية إلي جانب جناحها السياسي، و هذا فهم خاطيء أن التفاوض لا يوقف العمليات العسكرية إلا بعد الاتفاق و التوقيع عليه من قبل الأطراف.. أن قيادة الجيش سوف تكون حريصة أن لا تفقد دعم الشعب لها، و لن توافق على شيء لا يرغب فيه الشعب.. و مادام الشعب يثق في الجيش و قيادته، يجب أن تكون الثقة في العمليتين العسكرية الجارية الآن، و أيضا في أي عملية تفاوضية تجرى مع الميليشيا من خلال الوساطة الدولة.. و لا اعتقد أن قيادة الجيش سوف يفوت عليها أن الذين أقنعوا الميليشيا بالقيام بالانقلاب هم الذين يسعون الآن من أجل وقف إطلاق النار دول “الرباعية و الثلاثية” و منظمتي الإيغاد و الاتحاد الأفريقي.. أن معرفة الأجندة قبل الدخول في عملية التفاوض مسألة ضرورية، تبين الاتجاه العام للتفاوض، و في نفس الوقت تبين إذا كان الهدف وقف الحرب لإغاثة الشعب، أم محاولة جديدة لكي ترتب الميليشيا صفوفها من جديد، أو الهدف منه الوصول لتسوية سياسية تعيد الميليشيا مرة أخرى لما قبل 15 إبريل وجناحها السياسي.. أن الذين استطاعوا أن يشتروا رؤساء دول لدعم أجندتهم لن يتنازلون عن المكر الذي درجوا عليه و يتطلب اليقظة.

أن وقوف أغلبية الشعب مع الجيش سوف يكسر كل مضارب المؤامرات التي تحاك ضد السودان، و حضور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ليس بهدف الضغط على الوفد الحكومة لكي يوقع على اتفاق معد سلفا، أو الضغط على قبول تسوية، و لكنه جاء لكي يخدم حزبه الديمقراطي أن يسجل نجاحا واحدا خارجيا، لعله يدعم مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة في الانتخابات القادمة في نوفمبر، و التي بدأت حملتها الدعائية منذ شهر.. كما أن العصى التي تحاول أن تلوح بها أمريكا كثيرا لم تعد تخيف دولة، أو سلطة يلتف الشعب حولها.

أن القوى السياسية السودانية التي أصبحت فقط تصفق لمبادرات الخارج أفضل لها أن تجلس و تعكف على صياغة مشروع سياسي تبين فيه وجهة نظرها و تقدم للشارع السوداني بدلا من الركض وراء المبعوثين الدوليين و المنظمات التي لا تقم مصلحة السودان على أجندتها. وأن ثورة ديسمبر ليست فقط أسقطت نظام الإنقاذ، و لكنها فضحت قدرات السياسيين المتواضعة، وكشف ضعف الأحزاب التي تعيش فيه، فشلت أن تحافظ على الشارع و أتخذت من الخارج وسيلة لكي يدفعها للسلطة، حتى جاءت الحرب و هذه مرحلة جديدة سوف تبرز فيها قيادات جديدة ربما تحدث تغييرا أفضل في العملية السياسية.. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.