بكائيات السياسة و النتيجة صفر
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن معرفة المعادلة في السياسة مسألة مهمة، و التعرف عليها تبين أن التغييرات التي تحدث في أي مجتمع سوف تشير إلي أن هناك قوى جديدة بدأت في الظهور، و هذه القوى استطاعت أن تضعف دور و حركة القوى التقليدية الحاكمة، و أيضا بدأت تتعرف على الأدوات التي تستطيع بها عزلها الاجتماعي.. في هذه الحالة ليس أمام القوى التقليدية الحاكمة غير البحث عن مساومة، ليس بهدف أن تبقيها في الحكم، و لكن تستطيع أن تحدث بها أختراقا داخل المنظومة الجديدة لكي تعطل بها مشروعها. و يصبح أمام القوى الجديدة خيار واحد هو كيف تحافظ على لحمتها لكي تمنع حدوث عملية الأختراق.. و في نفس الوقت مطالبة القوى الجديدة أن تطرح مشروعها بشكل مفصل للمجتمع.. و ليس الهدف من المشروع تبيان ما تريد أن تفعله في الحاضر و المستقبل، بل يجب أن يكون الهدف خلق وعي جديد في المجتمع يتجاوز مسببات الفاشل السابقة في العملية السياسية هذا من جانب، و من الجانب الأخر أن يدفع بقطاع عريض من المجتمع ليكون داعما للمشروع الجديد..
هذه التحولات لا تحتاج إلي شعارات معلقة في الهواء يصعب تنزيلها على الأرض، بل تحتاج إلي عناصر واعية تستطيع أن تضخ أفكار باستمرار لكي تملأ بها الفراغات التي يخلفها الصراع بين الجانبين.. و عامة الشعب تفاعله مع العملية السياسية و التغيير دائما تتأتى من خلال المقارنة الاقتصادية التي تتحكم في ” قفة المعيشة” بين الفترتين، القديمة و الحديثة و أثر كل واحدة على حياته المعيشية، و الاستقرار الاجتماعي، هذه المعادلة هي التي تحدد موقف أغلبية الشعب من الجانبين.. أما مسألة التمسك بمصطلحات الثورة و الثورية، يحاول أصحابها خلق حالة من التجيش بهدف خلق عدم استقرار في المجتمع، و لكي تؤثر سلبا على القوى الحاكمة، و لكنها لا تخلق وعيا جديدا إيجابيا يهدف لعملية تغيير مرتبطة بالبناء، هي فقط عملية هدم ليس لها نتائج إيجابية.. الثورة مهمتها اسقاط النظام فقط، و ليس لها أي دور بعد الاسقاط.. و يتمسك بها البعض لعدم قدرتهم على طرح بدائل أخرى، و هي تؤكد ضعف القدرات الفكرية لأصحابها..
أن القدرات الفكرية المطلوبة ليس التفكير بديلا عن الآخرين، و لكن الهدف منها هو أحداث وعي جديد في المجتمع تدفعه أن يكون مشاركا في عملية البناء، و أيضا المشاركة في عملية أتخاذ القرار من خلال ممارسة النقد لأي قرار يعتقد أنه يشكل ضررا في حياته أو في معيشته.. لكن من خلال التجربة بعد ثورة ديسمبر اتضح أن هناك هوة كبيرة بين الشارع و صناع القرار، و بين الشارع و القيادات السياسية، و جاءت الحرب و وسعت الهوة أكثر. و رفع من وتيرة الاستقطاب في المجتمع.. الغريب في الأمر الاستقطاب هناك لم تفرضه مشاريع مقدمة من الأحزاب يفاضل بينها المرء، و لكنها عبارة عن شعارات غير مسنودة بأي رؤية، و تؤكد عجز العقل السياسي السوداني في تعاطيه مع المتغيرات في المجتمع التي لم يستطيع أن يلاحقها..
أن فشل النخبة السياسية يعود لعجزها عن ملأ الفراغات، كان لابد أن تأتي قوى أخرى لكي تملأ هذه الفراغات التي تخلفها.. فالذين يطالبون بعودة الجيش للثكنات مطالبين أن يظهروا قدراتهم على إدارة الصراع في الداخل، و ليس من خارج السودان، و يكون وسط القوى الشعبية، و إلا سيظل حديثهم ذو بعد واحد لا تسمعه إلا عضويتهم.. و الجيش في دول العالم الثالث يعتبر الاحتياطي الوحيد في مؤسسات الدولة الذي يستطيع أن يتدخل في الشأن السياسي لملأ الفراغات التي تخلفها القوى السياسية.. هناك البعض درج على قول أن الجيش ليس دوره السياسة، هذا صحيح ولكن؛ لا ينطبقالقول على دول العالم الثالث. في الدول الديمقراطية لا يتدخل في السياسية، لأن مؤسسات الدولة جميعها، و خاصة الخدمة المدنية تستطيع أن تمشي الدولة شهور حتى تتكون حكومة جديدة.. و شاهدنا في إيطالية في ثمانينات و تسعينات القرن الماضي أن الحكومة لا تستطيع أن تستمر أكثر من سنة، و يحدث تغيرا و انتخابات جديدة، لأن مؤسسات الديمقراطية و الثقافة الديمقراطية تحول عن تدخل الجيش. لكن في دول العالم الثالث ما تزال في طور التأسيس، و بعضها فقط ما تزال شعارات، و تصبح هناك فراغات تسمح بتدخل الجيوش.. شاهدنا ماذا فعل و موقابي في زمبابوي رفضه الانتخابات و أصبح معيقا لحركة الدولة و السياسة أضطر الجيش التدخل و إقالة موقابي من موقعه في السلطة..
كثير من الإخوة و الأصدقاء يجادلوني في الخاص أن سبب الفشل هم الكيزان، و الكيزان قابضين على كل مفاصل الدولةن يريدون العودة مرة أخرى.. هذا حديث العاجز الذي يبحث له عن شماعات يعلق عليها هذا الفشل.. هل الشارع عندما ثار على الإنقاذ لم يكن يعلم أنها متحكمة في مفاصل الدولة و تحرسها جيوس من المؤسسات القمعية، و رغم ذلك ثار الشارع و أنتصر و خلق معادلة في ميزان القوى مع الكيزان و مؤسساتهم القمعية.. لماذا الأحزاب لم تترك هؤلاء يقودوناالعمل السياسي مادام هؤلاء على دراية بقوة الكيزان و عملوا على تحديهم و الانتصار عليهم.. لماذا جاءت الأحزاب بناشطين سياسيين ليس لديهم أي معرفة بالقوى التي سوف تشكل لهم تحديا، و تصارعهم على السلطة.. و الغريب في الأمر أن أول ما فعلوه هؤلاء الناشطين خسروا الشارع الذي كان يشكل لهم توازن القوى.. أن عمليات التغيير السياسي و المجتمعي لا تحتاج إلي شعارات، بل تحتاج إلي ضخ أفكار بشكل متواصل لخلق الوعي الجتمعي الدعم للتغيير، و هذه الخاصية مفقودة لذلك البعض يراهن على الخارج أن يحل لهم معضلتهم. و الخارج لا يخدم إلا تحقيقا لأجندته الخاصة. نسأل الله حسن البصيرة..
Comments are closed.