جنيف و حل تناقضات القوى السياسية

102

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن الفكرة التي كانت وراء كتابتي للمقالات الثلاثةالتي كتبتها في الثلاث أيام الماضية، و تناولت فيهاتطور تمظهرات “الحركة الإسلامية بعد توقيع اتفاقية المصالحة في بورتسودان بين الجبهة الوطنية و نظام مايو في 1977م، هي محاولةلتبيان الفروق المؤسسية بين الإسلاميين و القوى السياسية الأخرى، و التعرف على كيف استفادت الحركة الإسلامية من نظام مايو في بناء تنظيمها،و توسيع قاعدتها في القطاع الشعبي، إضافة لإستقطاب الصفوة.. و كان المتوقع أن القوى السياسية بعد الثورة تكون مدركة لذلك، و تعيد قراءة المجتمع مرة أخرى لكي تتعرف على الميكانزمات المؤثرة فيه، و ما هي التحديات التي سوف تواجهها.. و قراءة الواقع والمجتمع بشكل موضوعي الهدف منه معرفة أماكن القوى و الضعف فيه..

كان المتوقع؛ أن يلعب المثقفون دورا توعويا في مرحلة الانتقال، و يعكفوا على ممارسة النقد لكشف الخلل قبل وقوعه، و تدفع في اتجاه الممارسات الصحيحة التي تعبد طريق عملية التحول الديمقراطي، و لكن للأسف أن المثقفين هم أنفسهم في حاجة لتوعية، عندما تقرأ كتاباتهم لايجد المرء فارقا بينهم و بين سلوك العامة في تعكير  الجو السياسي.. أن مجتمع خارج من حكم شمولي استمر ثلاثة عقود، كان يحتاج إلي قراءة موضوعية تبعده من حالة الشحن و الصدام بين تياراته المختلفة، و كان المتوقع أن يفتح المثقفونمنافذا عديدة من أجل ممارسة الحوار الهاديء، حتى يتحكم العقل في الحوار و ليست العاطفة.. و كانت الحكمة مطلوبة من أجل الوصول للهدف بعيدا عن التحديات الخشنة و التشنجات التي تسببها العواطف السالبة، لكن للأسف أن الكل سلك طريق عاطفة الضد، و هي عاطفة لا يستطيع المرء أن يتنبأ بعواقبها، و أثرها السالب على عملية التحول الديمقراطي..

أن التجارب السابقة كان من المفترض أن تكون دروسا للقوى السياسية، حتى لا تعيدها مرة أخرى.. كانت الفترة تحتاج إلي حكماء في السياسة، يدفعون الكل للحوار في أي قضيية خلافية قبل أن تبرز على السطح، و لكن الكل بات غير راغبا في أي حوار، و تغير سلم الأولويات بعد ما كان الهدف عملية التحول الديمقراطي،  قدمت قوى الحرية و التغيير السلطة على عملية التحول، و هي غير مدركة أن ” السلطة” تعني فتح باب الصراع على مصرعيه، و الذي يفتح بابا من جلصراع السلطة لا يستطيع أن يتحكم في الأدوات التي سوف تستخدم فيه.. و القضايا الملفته للنظر أن قوى سياسية تفتح بابا للصراع و تكون غير مدركة للتحديات التي سوف تواجهها من جراء ذلك.. كل ذلك يعود لآن القوى السياسية لم تشرع في تبصر الطريق الذي تريد أن تسلكه، و أغلبية القيادات كانت تجربتهم السياسية محدودة.

الغريب في الأمر: أن أغرمائهم “قيادات الحركة الإسلامية” كانوا مراقبين و قارئين للساحة السياسية و مدركين  لتناقضاتها، و أتذكر مقولة الدكتور غازي صلاح الدين و هو يتحدث عنالوضع السياسي، و الهجوم المكثف على الإسلاميين.. قال دكتور غازي نحن نراهن على الزمن و هو كفيل أن يأتي بمتغيرات، و شهور قليلة حدث الصراع بين المكونين العسكري و المدني، و حدث الانقلاب و خرجت ” قحت” من السلطة، و جاء مسعى ” الإتفاق الإطاري” كان المتوقع أيضا في معركة “الاتفاق الإطاري” أن تعيد القوى السياسية ترتيب سلم الأولويات مرة أخرى و أن تقدم عملية التحول الديمقراطي على ” السلطة” لآن تعديل سلم الأولويات سوف يغير طريقة التفكير التي كانت سائدة، و يتحول الصراع إلي حوار. و الصراع يتبني دائما على الثقافة الشمولية التي خلفها النظام السابق، و الحوار يفتح بابا للثقافة الديمقراطية، و التي تركز على أداتين فقط الحوار و التفاوض.. و لكن للأسف أصرت قحت المركزي”على تقديم فكرة “السلطة” في أجندتها على فكرة التحول الديمقراطي، كان لابد أن تأتي بأدوات أشد عنفا عن التي كانت من قبل.. الغريب في الأمر؛ لقدثبت لقيادات “قحت” أنها لا تستطيع أن تربح معركة السلطة لوحدها، على الرغم من تدخل “الرباعية  و الثلاثية” لصالحها، و لكنها فشلت في إدراة الإزمة لأسباب عديدة، منها عندما كانت في السلطة خسرت الشارع، و رفضت الإصغاء إليه.. فقدها للشارع جعلها تفقد أهم شيء في المعاركة السياسية ” توازن القوى” و أيضا انقسمت قحت لعدة مجموعات أضعفت دورها داخل المجتمع، و تدير معركتها بإندفاع صبياني دون الحكمة و إنتقاء كلمات الخطاب..

بعد الحرب ضعف دور ” قحت المركزي” و عجزت عن إدارة الصراع، و اقتنعت القوى الخارجية أن ” قحت المركزي” فاقدة للكسب الشعبي، و لابد من التغيير و بروز قيادات جديدة، بهدف فتح منافذ للحوار مع الشارع السوداني، لذلك كانت فكرة ” تقدم” و كان الاعتقاد أن قيادة حمدوك سوف تعطي دفعة قوية للتحالف بسبب التأييد الذي كان قد وجده بعد تعينه رئيسا للوزراء، لكن اخطأ حمدوك، عندما ذهب و وقع على “الإعلان اديس أبابا السياسي” مع الميليشيا، التوقيع جعل ” تقدم “الجناح السياسي للميليشيا.. الغريب في الأمر: أن ” تقدم و قبلها قحت” لم تقيما التجربة السابقة و تنقد الممارسة الخاطئة.. و أصبحت ” تقدم” تتحرك وفقا لإملاءات الخارج و تصوراته، و لكنها لا تملك هي رؤية تستطيع أن تقدمها للآخرين..

بادرت القاهرة بتحريك الساكن من خلال مؤتمر القاهرة، ثم بادر الاتحاد الأفريقي بجمع القوى المدنية في أديس أبابا. و أخيرا جاء دور أمريكا و إعلان مفاوضات جنيف بهدف الإغاثة و وقف إطلاق النار.. و بدأت ” تقدم و قحت المركزي” تملأ كل ” Social Media ” السلطة في السودان أن تقبل بالحضور و التفاوض.. فهي لا تملك غير التشجيع فقط، و لكن لم يصبح لها دور رئيس في المسرح السياسي.. فالخارج هو الاعب الرئيس في المسرح من خلال تقديم المبادرات.. و رفض الجيش الذهاب يوم عيده بالضرورة سوف يخلق إحباط لهم.. لكن لا اعتقد أمريكا هدفها وقف الحرب و إغاثة السودانيين، و لكن مسعاها أن تخرج الأمارات من مواجهة السودان في المحاكم الدولية و مجلس الأمن.. نسأل الله حسن البصيرة..

Comments are closed.