من الذي يصنع تاريج السودان الجديد؟
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن تجارب التاريخ في العصر الحديث خاصة في بناء الدول لا تؤسسها فكرة جماعية، تجلس مجموعة من السياسيين إن كان ذلك من داخل مؤسساتهم الحزبية ، و المدنية و الأكاديمية أو غيرها، هي أنما تكون فكرة فردية يقتنع بها البعض و يحملونها حمل الجد في التطبيق.. أمريكا يعتبر جورج واشنطن هو الذي أسسها و حررها من قبضة بريطانيا 1786م.. و لينين كان مفكرا و سياسيا و انتصر على الحكم القيصري في روسيا من خلال حزب العمال البلاشفيك و أسس في 25 أكتوبر 1917 الاتحاد السوفيتي.. و ماو سيتونج مؤسس الصين الحديث من خلال الثورة الثقافية.. و الصين الصناعية ذات الاقتصاد الحر هي فكرة دنغ شياو بينغ الذي يطلق عليه ” المهندس العام” و رئيس البرازيل لويس ايناسيو لولا هو الذي نهض بالاقتصاد البرازيلي و جعلها من دول مقدمة العالم. و مهاتير محمد في ماليزيا مؤسس الدولة الحديث. كلها أفكار فردية وجدت دعم قوي من الشعب، و نهضت تلك الشعوب.. لكن القادة تمسكوا بالشفافية و النزاهة و النهضة..
أن هؤلاء الزعماء المفكرين الذين نهضوا بدولهم و هي الآن على قمة الحضارة الإنسانية، كانت أفكارهم تجد القبول من الشعب، و لم يحصروا النهضة في قطاع محدد من المجتمع، فكانوا حريصين أن على وحدة القوى التي تؤيدهم، لذلك نجحوا في غاياتهم… الأسئلة التي تطرح نفسها: هل نحن في السودان حريصين على وحدة وطنية ترتبط بفكرة النهضة، أم أن الأحزاب جميعها ذات خطابات محدودة في آطار عضويتها و تخلق صراعا مع الأخر يتسبب في إجهاض الأفكار؟ أم أن الخطأ كان في منصة التأسيس ” مؤتمر الخريجين 1938م” حيث بدأ هناك تحالف المثقفين مع الطائفية، و التي خلقت الإنقسامات و الصراع الصفري المستمر حتى اليوم؟ هو نفسه الصراع الذي بدأ بعد سقوط الإنقاذ بين رؤيتين، الأولى تؤسس نفسها على الحق، و تهدف من أجل نجاح عملية التحول الديمقراطي بشروط الديمقراطية نفسها؟ و الفئة الثانية تبنى مشروعها على القوة فكانت ترفع شعارات الديمقراطية، و في نفس الوقت كانت تكرس مجهودها من أجل السلطة.. و الذي يجعل هدفه فقط السلطة، يكون قد أختار طريق الصراع المستمر الذي لا يضمن نتائجه..
ماذا كان ينادي شباب الثورة عندما اعتصموا بساحة القيادة العامة للقوات المسلحة ؟ لماذا صنعوا كل تلك اللوحات والجداريات؟ هل كان الهدف أن يظهروا أنهم مختلفين في كل شيء عن أجيال التي لم تورث البلاد إلا العجز؟ هل القيادات السياسية كانت على قناعة أن ثورة ديسمبر كانت ثورة شبابية؟ و أن تعبيرهم عن الثورة الذي استخدم فيه اسلوبا مختلفا و أدوات مختلفة متنوعة من الخطاب و الريشة و الموسيقى و الشعر و غيرها، أن تعدد انواع الخطابات تنبيء أن هناك عقل جديد بدأ يبرز و يؤسس ذاته على الخلق و الإبداع.. لماذا القيادات السياسة لم تفطن لهذا التحول و تخضعه للدراسة؟.. كان هؤلاء الشباب يريدون أن يتجاوزوا حتى الأسئلة التي طرحت من قبل الثورة.. الهوية و توزيع الثروة و السلطة و غيرها من أسئلة المجتمعات التي تعاني من أختلالات مجتمعية و سياسية و ثقافية.. كان شارعالشباب أكثر وعيا و إدراكا بالهدف، فهل بالفعل تأمرت عليه قبائل السياسيين و العسكر لكي يهزموا العقل الجديد؟.. أما أن العقل التقليدي الذي وصفه الدكتور منصور خالد بالفشل خاف أن يغادر محطاته و يضيع..
أن الحرب رغم أنها شردت ملايين الناس من مناطقهم و منازلهم بسبب نهب ثرواتهم و ممتلكاتهم و الاعتداء عليهم بالاغتصاب و القهر و الجوع و فقدان الصحة و غيرها، إلا أنها سوف تكون مرحلة جديدة و مشوار جديد لإعادة التفكير في عملية التعمير و البناء و الخلق و الإبداع.. سوف يتجاوز فيه الناس إعادة طرح الأسئلة القديمة التي فشل العقل التقليدي الإجابة عليها، و ذلك أن مئات الآلف من الشباب استجابوا لدعوة الاستنفار و المقاومة الشعبية، و هؤلاء الذين قاتلوا جميعهم في كل مناطق السودان جنبا إلي جنب جاوبوا على سؤال الهوية تماما بامتزاج دمهم مع بعضهم البعض بهدف ” وحدة السودان” و ماداموا يؤمنون بسودان واحد يكونوا قد تجاوزوا الجهوية و المناطقية و الأثنية و مستعدين أن يقدموا أرواحهم رخيصة من أجل أن تسود روح الأخاء بينهم، و أيضا سوف لن يعجزوا في الإجابة على اسئلة كيفية توزيع الثروة و السلطة لآن هدفهم أن يكون الوطن أولا..
أن العقل التقليدي قد فشل أن يحقق للمواطنيناستقرارا سياسيا و اجتماعيا و أمنيا في البلاد.. و سبب فشل العقل التقليدي أنه لم يستفيد من التجارب السابقة في فشله، و فشل العقل التقليديأن يغير طريقة تفكيره و انانيته.. فشل أن يستوعب رؤية الشباب الجديد في تجاوز أدوات الماضي، كلما نظر إليه بعد نجاح الثورة هو توقيع اتفاقية “سيداو و المثليين وإرجاع المريسة و غيرها ” فالعقل الذي يفكر في صغائر الأشياء لا يستطيع أن يدير أزمته بنجاح.. و كان المطلوب أن النخب السياسية تعمل لخلق بيئة صالحة أن يؤسس فيها حوارا وطنيا و تتبادل فيها الأفكار لكنها ملأت الساحة بخطابات الحماس و الصراع الصفري و دعوات الإقصاء، و تبنت طريق السلطة ثم بعد ما خسرته بدأت تصرخ.. أن الثورات الناعمة في أوروبا ضد الأنظمة التي حكمت أكثر من سبعة عقود مارست فيها كل انتهاكات الحقوق و القتل حتى خارج بلدانها تطارد معارضيها.. عندما أنتصر دعاة الديمقراطية لم يمارسوا الاقصاء على خصومهم، بل جعلوهم يقدموا انفسهم للشعب من خلال صناديق الاقتراع.. كانت النتيجة أن الأحزاب الشيوعية جاءت في مؤخرت الأحزاب التي دخلت البرلمان.. الفائدة كانت استمرار الديمقراطية و الاستقرار السياسي و الأمني في بلادهم.. أن العقليات التي ساهمت في إفشال الثورة لن تكون مفيدة في أي عمل سياسي أخر.. و هي تعرف ذلك، و لذلك تراهن على الخارج أن يشكل لها رافعة للسلطة… أن القوى الجديدة التي جاوبت على سؤال الهوية بالتلاحم في ساحات القتال؛ أولئك هم الذين سوف يصنعون تاريخ السودان الجديد، و يحققون للوطن استقراره السياسي و الاجتماعي و الأمني، حتى تستطيع الأجيال الجديد أن تقدم إبداعاتها و تصوراتها من جديد من خلال تعدد ادواتهم… نسأل الله حسن البصيرة..
Comments are closed.