رباح المهدي و صراع عودة الوعي

103

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

نشرت العديد من مقولات للأستاذة رباح الصادق المهدي في ” Social Media” تنقد فيها دور قيادة حزب الأمة في الحرب الدائرة الآن في السودان، و هي مقولات ذات حمولات متعددة، و لكنها في نفس الوقت تبين أن هناك رؤى تتبان داخل الحزب، إذا كانت في إدارة الحزب أو الموقف من الأحداث الجارية في البلاد.. و تقول في إحدى المقولات ” حزب الأمة يتصدره من تقصر قامتهم عن الفكر و العمل المطلوب في الغالب للأسف” و هي مقولة ليست ببعيدة عن رباح، باعتبارها تميل لقضايا الفكر و الثقافة أكثر من قضايا الجدل السياسي الاستقطابي، الدائر الآن في الساحة السياسية..

أتذكر في تسعينيات القرن الماضي، أن الأستاذة رباح كانت تهتم بالندوات التي يقيمها ” المركز السوداني للثقافة و الإعلام” و تكون أول الحاضرين و أيضا عندما يقيم المركز ندوات عن قضايا الفكر، الأمر الذي يبين درجة أهتمامها في تلك القضايا.. كانت تعتقد ان والدها الذي يقدم أطروحاته السياسية في العديد من الموضوعات، تظل تلك الأطروحات في حاجة إلي ملء فراغات تحتاج إلي إنتاج معرفي في ضروب الثقافة و الفنون الأخرى، باعتبار أن القاعدة الحزبية ليست وحدة واحدة في الإهتمام بالقضايا السياسية و غيرها، و يجب أن يتسع الحزب في رؤيته الشاملة لضروب مختلفة في المعرفة.. لكي تتسع المساحة عنده لإستقبال عناصر ذات اهتمامات مختلفة فيالمعرفة و الثقافة و الفنون، و من خلال هؤلاء ينشط الحزب و تزيد فاعليته و نشاطاته المتنوعة التي تكسبه قاعدة جديد، قادرة على طرح الأسئلة التي تثير جدلا يجدد في وعي العضوية..

و أتذكر في 2009م التقيت بالأستاذة رباح في مكتب الأستاذ عادل الباز رئيس تحرير جريدة ” الأحداث” في عمارة بشير محمد سعيد بالخرطوم.. سألتها عن دور الثقافة و تنوعاتها في العمل السياسي. قالت المشكلة أن السياسيين لا يفطنون لدورها الإيجابي في العمل السياسي و أيضا دورها في استقطاب الأجيال الجديدة.. ليس كل الناس لها اهتمام بالسياسة بشكلها المجرد، هناك العديد من الشباب لهم مداخل و أدوات أخرى في التعبير عن تصوراتهم عن الأحداث الجارية لذلك لابد للأحزاب أن تفطن لذلك.. هذا يذكرني بقول صموئيل هنتنتون في كتابه ” النظام السياسي لمجتمعات متغيرة” يقول عن التنظيم السياسي في تطوره ( كلما ازداد تعقيدا، ارتفع مستواه المؤسساتي، قد يشتمل التعقيد على مضاعفة الوحدات التنظيمية الفرعية، هرميا و وظيفيا، و على التمييز أيضا بين أنماط منفصلة من الوحدات الفرعية التنظيمية. كلما ازداد عدد الوحدات الفرعية و تنوعها تنمو قدرة التنظيم على التثبت من إخلاص أعضائه و المحافظة على إخلاصهم) هذا هو القصور الذي تعاني منه الأحزاب السودانية، خاصة التقليدية.. أن الرؤى في العمل الحزبي و كيفية تطوره و تنوع اهتمامات العضوية، بها قصورا،و هو الذي أدى إلي تعطيل القدرات الحية داخل الأحزاب..

أن حديث الأستاذة رباح لا يجب أن يؤخذ في حدود الرفض لإدارة الحزب، و أتخاذ الحزب مواقف تعرضه لكثير من التساؤلات.. و لكن يؤخذ من خلال ثقافة و تاريخ الحزب في مراحل مختلفة من الصراع السياسي و الاجتماعي من قبل و بعد استقلال السودان.. باعتبار أن مواقف حزب الأمة الحالية، ليست قاصرة فقط على الحرب الدائرة الآن، بل قبل اندلااع الحرب و في “الاتفاق الإطاري” كانت تخالف عن مواقفه التاريخية. باعتبار أن حزب الأمة دائما كان يسعى للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، و كانت قيادته مقتنعة أن جماهير الحزب المنتشرة في كل أقليم السودان سوف تجعله في الوضع الذي يليق به كحزب كبير.. لكن القيادة الحالية التي قبضت على مفاصل الحزب بعد رحيل الإمام سعت للسلطة دون انتخابات.. و كانت تعتقد أن ” الرباعية و الثلاثية” تشكل رافعة للحزب مع أحزاب صغيرة يصبح للحزب نصيب الأسد في أي محاصصة تحصل “قسمة السلطة الضيزى” هذا الفهم المغاير بالفعل يبين ضعف القدرات عند اصحابه لأنهم يراهنون على الخارج و ليس على جماهير الحزب..

أن مقولة رباح المهدي “قصر القامات عن الفكر و العمل السياسي المطلوب”. ليست حالة يعاني منها حزب الأمة لوحده، بل هي حالة جمود تضرب كل الأحزاب السياسية السودانية، و على مختلف تياراتها الفكرية يمينا و يسارا، و هي الحالة التي تسببت في الوهن و الضعف للأحزاب السياسية،و شلت قدرات كوادرها.. عندما تصعد قيادات متواضعة لقمة أي حزب سوف تغلق كل النوافذ التي تعتقد سوف تمرر تيارات فكر التغيير، لآن هؤلاء عندما يصعدوا لقمة هرم الحزب يصبح التفكير عندهم واحد، كيفية المحافظة على الموقعالذي هم فيه بشتى الطرق…! الأمر الذي يؤدي لتعطيل كامل لعملية التفاعل و الحوار و الرأي الأخر، و التي كان من المفترض أن يحرص على ممارستها.. مثل عمليات النقد في إدارة الحزب و نشاطه لكي يتم تدارك الأخطاء قبل حدوثها.. أن صعود قيادات متواضعة القدرات السياسية و الفكرية لقمة الأحزاب في وقت الأزمات، لا هي تقدر على إدارة الأزمة بالصورة الصحيحة، و لا تستطيع أن تسهم في عملية الحل بما يتوافق مع مبدئية الحزب.. و تتسبب في تعميق الأزمة بصورة أكبر مما كانت عليه.. و هذا هو الذي يواجه حزب الأمة الآن.. أن نقد رباح المهدي لحزبها و قيادته، كان أيضا هو موقف القيادي بحزب الأمة و زوجها عبد الرحمن الغالي، و يبين تقارب القراءات بينهم للأزمة داخل حزب الأمة.. و تقديم تساؤلات مشروعة، و الإجابة عليها داخل الحزب ربما تؤدي إلي صراع يخلق وعيا جديدا داخل يتجاوز القيادات المتواضعة القدرات… نسأل الله حسن البصيرة..

 

Comments are closed.