(حكاية من حلتنا) يكتبها آدم تبن: الخريف اللين من بشايرو بين

34

عندما يحل الخريف فى بلادى السودان وخاصة فى مناطق الزراعة المطرية يستبشر الناس به خيرا وينتظرون هطول أول أمطاره ومقولتهم الراسخة (الخريف اللين من بشايرو بين) تجدها متداولة بينهم لاتغيب عن ألسنتهم إستبشارا به ، لأنه يحمل الخير الوفير الذى يتعدى نفعه للآخرين بعدين كانوا أم قريبين ، حتى خارج حدود وطننا فإن المحاصيل الزراعية تجد حظها من الشهرة والسمعة الممتازة لإمتيازها بميزات قل أن تجدها فى محاصيل دول أخرى ، فمحصول الصمغ العربى تعرف ميزاته كبريات الشركات العالمية وكذا السمسم والقطن والكركدى والفول السودانى وحب البطيخ والذرة الغذائية ، فحق للمزارعين أن يفتخروا بمنتجاتهم النقدية والغذائية ويتمسكوا بزراعتهم مهما تكالبت عليهم الظروف الطبيعة مثل الجفاف وقلة الأمطار والآفات الزراعية والظروف غير الطبيعة مثل إرتفاع تكاليف الإنتاج وضعف الأسعار وردائة التخزين وقلة العمالة وتعدى الرعاة على الزراعة وتقليدية الزراعة فى أغلب المناطق ، وهى أسباب حقيقية تجعل التمسك بالزراعة صعبا إلا أن الزراع يستطيعون التغلب عليها بما يمتلكونه من توكل على الله وصبر وعزيمة لاتلين وقدرات ومهارات صقلتها تجاربهم وخبراتهم السابقة .

وعامنا هذا جاء إستثنائيا لظروف الحرب التى تعيشها البلاد من أكثر من عام وأشهر أربعة ونصفها فى أغلب ولاياتها فكان الغلاء سيد الموقف حتى المناطق الآمنة لم تسلم من غوله الذى أرهق ميزانية المواطن الواهية حيث لم تعد قادرة على تلبية اليسير من إحتياجاته اليومية مع توقف لحركة الأسواق والطرق والأعمال الهاشمية حيث لم يعد بإستطاعة الكثيرين أن يكسروا حاجز الغلاء الذى أفرغ جيوبهم من النقود وإن كانت قليلة ، مما جعل البعض منهم يتخلى عن الكماليات جميعها وبعضا من الضروريات التى يحتاجها فى بيته مثل الغذاء والعلاج ، ويالها من مرحلة صعبة وعصيبة إستطاع البعض تخطيها بصعوبة بالغة متوكلين على الله يلحون فى الدعاء ويصبرون على ضيق ذات اليد ، وما أصعب من ذلك على أرباب الأسر عندما لايجدوا مالا يحتاجونه لشراء إحتياجات يوم واحد لأسرهم الصغيرة ، إلا أن الله سبحانه وتعالى رحمته واسعة بأن قيض إليهم بعض المحسنين والخيرين مدوا إليهم يد العون والمساعدة بعيدا عن السمعة والرياء ، فكانت متنفسا للمحتاجين حتى وإن وصلهم قليلا من المال أو الغذاء ، مصداقا لقول الرسول صل الله عليه وسلم :(مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

وهاهى أيام بشريات الخريف اللين بدأت خيراتها تطل رويدا رويدا على من ينتظرون موسم الحصاد بصبر طويل من أهل الزراعة والتجار ، والأسواق على ضعف قوتها الشرائية أخذت تتهيأ لدخول تلك المنتجات من المحاصيل الزراعية التى تنتظرها بتجهيزات موسمية فالمحاصيل تحتاج الى أموال كبيرة ومعدات مثل الموازين لوزنها والجولات الفارغة لتعبئتها والعمال ومركبات النقل من الأسواق الصغيرة الى الأسواق الكبيرة ومنها إلى ميناء الصادر ، وهناك فئات أخرى كذلك هى فى إنتظار موسم الحصاد كعمال الحصاد الذين يقع عليهم العبء الأكبر فى جمع المحاصيل وتعبئتها لتكون جاهزة للنقل الذى تسخر له الدواب من الجمال والحمير وهى الأخرى من العوامل المساعدة للمزارعين فى موسم الحصاد ، وياله من موسم يتغنى له من يعرفون قيمة منتجاته غذائية كانت أو نقدية ، فالفرحة تعم المكان وتزداد وتيرة الخروج نهارا للمزارع بصورة واسعة إسراعا لإكمال عمليات الحصاد فهى أصعب مراحل العمليات الزراعية فحصاد المزارع بين يديه وعينيه كل يوم يمر عليه يزداد نضجا الى نضجه فإن تكاسل عنه فإنه سيكون كمن حصد السراب .

Comments are closed.