الزين صالح يكتب: حكام السودان وغياب الحكمة

106

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما يحدث أي انقلاب عسكري في أي دولة من دول العالم التي تتطلع إلي الديمقراطية، وكانت بالأمس القريب قد اسقطت نظاماً شمولياً، كان المنتظر أن تتضافر جميع الجهود ضد الانقلاب، كما حدث في تركيا، وتبدأ النخبة الحاكمة في دراسة الأسباب التي أدت للإنقلاب، ومعرفة المشاركين فيه والقوى السياسية التي تقف وراء الانقلاب، قبل أن تدخل في مشادات بينها.

لقد حدث شيئاً غير متوقع في الحالة السودانية، أن الانقلاب كان سببا لخروج الهواء الساخن الذي كانت تختزنه صدور قيادات المكونين العسكري والمدني، وذهبت كل فئة تدافع عن موقفها وتتهم الأخر بأنه سبباً في حالة الفشل التي تشهدها الساحة السياسية السودانية.

أن الاستفادة من العملية الانقلابية بصدور اتهام كل جانب للآخر، تبين أن المصارحة تكاد تكون منعدمة بين المكونين، ويغتنموا فرص الأحداث لتبادل الاتهامات بينهما، مما يؤكد أن الفترة الانتقالية تشهد حالة من شد الاعصاب بين القائمين عليها، والتي تشل عملية التفكير السليم والمنطقي بينهما، كما أن عدم المصارحة يفتح باب المؤامرة مما يربك الساحة السياسية بصورة مستمرة.

إذا كانت القيادات المناط بها أن تحقق عملية التحول الديمقراطي في البلاد عاجزة أن تخلق مواعين ديمقراطية لكي تدير عليها حواراتها، كيف تستطيع أن تنجح عملية التحول الديمقراطي في البلاد، أنها تعكس أن الإرادة مفقودة تماما، والكل يبحث عن مصالح لا تهم الشعب في شيء.

أن الاتهامات المتبادلة بين الجانبين ” المدني – العسكري” تبين عمق الأزمة السياسية بينهما. وهذه ليست المرة الأولى في وصف الحالة المتردية، قبل أسابيع كانت مبادرة رئيس الوزراء التي بين فيها حالة التشظي بين المدنيين والعسكريين، وبين المدنيين والمدنيين، وبين العسكريين والعسكريين، وأكد أن حالات التشظي سوف تشكل أكبر عائقاً لعملية التنمية والتحول الديمقراطي في البلاد.

وكان هناك اعتقاد أن مبادرة رئيس الوزراء ربما تخلق واقعاً جديداً، لكنها لم تخرج في إجراءات تنفيذها من دائرة تفكير الأزمة، كان المأمل أن يمسك رئيس الوزراء بزمام الأمر ويطلب الاستعانة من عناصر ذات كفاءة عالية من المجتمع خارج دائرة الفئة التي كانت سبباً في الأزمة، لكنه للأسف رجع لذات الفئة التي وصفها بالتشظي ووقوع المناكفات بينها، الأمر الذي جعل الكل يصرف النظر عن مبادرة رئيس الوزراء، لوحده حكم عليها بالموت.

العسكر ممثلين في البرهان، يعتقدون ان هناك إهمالاً قد وقع عليهم، رغم هم الذين يديرون دفة الفترة الانتقالية من خلال الفراغ الذي فشل رئيس الوزراء ملأه، ويعتقد العسكر انهم أوصياء على الفترة الانتقالية، هذا اعتقاد نرجسي يضر بالعملية كلها، لأن الوثيقة الدستورية أشارت للشراكة من قبل الجانبين، ويجب أن يعملا بتناغم كامل مع صراحة مستمرة لإزالة أي احتقانات تحدث بين حكام الفترة الانتقالية، لكن محاولة أن يثبت كل جانب هو الذي يقع عليه عبء العمل وحده هي التي تخلق حالة التزمر.

كان المتوقع أن تتدخل النخبة السودانية بحكمة وروية وأن تطرح مبادرة للحل تنقل الناس من واقع الاتهامات والاستقطاب الحاد “مع – ضد” إلي التفكير العقلاني، بعيداً عن الانفعال والاتهام وطرح القضايا علي منابر الحوار بالصورة التي تنقله من حوار سالب إلي حوار إيجابي يقدم تصورات للحل.

لكن للأسف أن النخبة نفسها أصبحت جزءاَ من حالة الاستقطاب دائرة الآن في المجتمع، الأمر الذي يؤكد أن الثقافة الشمولية التي خلفها النظام السابق ماتزال باقية وأنها سيدة الموقف.. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.