العطا: قضية الحكم للحوار أم بالونة إختبار

29

بقلم :زين العابدين صالح عبد الرحمن

قال الفريق أول ياسر العطا عضو مجلس السيادة و مساعد القائد العام في زيارته إلي الفرقة الثالثة مشاة في مدينة شندي مخاطبا الضباط و الجنود (أن القائد العام للقوات المسلحة سيكون هو رأس الدولة بصلاحيات سيادية حتى بعد أربعة دورات انتخابية) هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها ياسر العطا عن قضية الحكم بعد انتهاء الحرب، و في كل مرة يقدم العطا رؤية مختلفة عن الأخرى. و العطا يعرف كيف يختار المنبر الذي يتحدث منه و الزمن و الجهة التي يريد توجيه الرسالة لها.. هو ليس قول بهدف رفع معنويات للجنود، و لا استهلاك سياسي، فالرسالة سوف تنقلها كل وسائط و وسائل الإعلام داخليا و خارجيا، لذلك هي رسالة لها هدفين الأول سياسي،و الثاني تهدف لنقل تفكير الناس من دائر إلي دائرة أخرى، و نقل التفكير يعني إعادة لقراءة المشهد حتى الثوابت فيه، أن الرسائل المبطنةتحتاج لكثير من التبصر…

مطالبة القوى السياسية التي سمعت ما قاله العطا أن تقدم رؤاها، إذا كانت متفقة مع رؤية العطا هي غير مطالبة أن تعيد طريقة تفكيرها، لأنها تذهب مع الجيش في ذات السياق، أما الذين يخالفون الرؤية عليهم أن يقدموا رؤاهم التي يعتقدون أنها هي الصحيحة. و نقد الفكرة هو نقد متعلق بشأن الحكم و نوعه و مستقبله. و مطالب الناقد للفكرة إذا كان مؤسسة حزبية أو منظمة أو حتى أفراد أن يقدموا البديل .. حقيقة هو؛ يعد أختبارا للقوى السياسية.. أن عملية الهجوم السياسي على الفكرة دون أن تأتي بالبديل تكشف القصور الفكري و المعرفي للقوى السياسية.. و من هم الذين قد وجهت لهم الفكرة؟ .. هي القوى التي لها فاعلية و وجود حركي في الساحة السياسية.. هؤلاء هم الذين ينشطون في المسرح السياسي ” الجيش و القوى المؤيدة له من مستنفرين و مقاومة شعبية و مجموعات سياسية تتواجد في بورتسودان و القاهرة، إلي جانب الإسلاميين بكل تفرعاتهم و “تقدم ” بكل تكويناتها و الميليشيا”.. أن تقديم الرؤى البديلة تعني الموافقة بتغيير أدوات الصراع، من أدوات العنف المستخدمة الآن في الحرب إلي أدوات الحوار. و الحوار المتعلق بشأن الحكم الداخلي في البلاد، يجب أن لا يسمح فيه بتدخل خارجي .. فالقبول يعني الموافقة لإعادة النظر في منهج التفكير السائد..

البعض يعتقد: أن ما يقوله ياسر العطا هو وليد لحظة حماسية يحاول أن يسجلها لصالح أجندة الجيش.. و هذا صحيح؛ لكن ما هو طبيعة التسجيل، هو يريد أن يعرف من خلاله ردات الفعل المختلفة، إلي أين تتجه مؤشرات أغلبية الشعب، و في نفس الوقت؛ هي رسائل للقوى السياسية، لكي تقدم تصوراتها للشعب من خلال نقدها للحديث.. خاصة هناك طريقة تفكير جديدة قد ظهرت بعد ثورة ديسمبر 2018م. بعض القوى السياسية، و خاصة التي تتواجد في تحالف ” تقدم” بأنها ليست مطالبة أن تقدم رؤها للشعب السوداني،  فقط هي مطالبة أن تقدمها للدول المتمثلة ” أمريكا و الاتحاد الأوروبي و السعودية و الأمارات” التي تعتقد تمثل لها الرافعة للسلطة دون الشعب السوداني. فالحديث عن نظام الحكم بعد الحرب تحدث فيه ياسر العطا كثيرا، بهدف تحريك الساكن.. الجانب الأخر في حديث العطا رسائل تختص بالميليشيا، و أيضا القضايا العسكرية المتعلقة بقضية الإصلاح في القوات المسلحة، رسالة أن أي سلطة سياسية قادمة لا يحق لها أن تتدخل في عملية إصلاح الجيش و تأهيله إذا كان في الفترة الانتقالية أو حتى فترة ما بعد الانتخابات أربعة دورات. و هنا لها مدلولات عديدة.. الأولى عدم تدخل المدنيين في عملية إصلاح الجيش و هذه مسألة تقوم بها المؤسسة.. الثاني ضمان استمرارية الديمقراطية أربعة دورات انتخابية تحت رعاية الجيش، و ترسخ فيها الممارسة و إنتاج الثقافة الديمقراطية..

هناك أيضا؛ الذين يعتقدون أن وجود الجيش في السلطة لأربعة دورات انتخابية، هي شمولية مبطنة، و لا تكون الانتخابات فيها شفافة و نزيهة، لأن ذلك سيكون تحت سلطة أجهزة قمعية، هي التي سوف تحدد من الذي يجب أن يفوز بمقاعد البرلمان.. آهل هذا الاعتقاد عليهم تقديم نقدهم، و في نفس الوقت يوضحوا ما هية رؤيتهم البديلة.. أن تحول التفكير من أدوات الحرب إلي أدوات الحوار مسألة ضرورية، لكن لابد من حسم مسألة قضية الميليشيا التي يجب أن لا يكون لها تواجد لا في الساحة السياسية و لا العسكرية، و على القوى السياسية أن تقدم تصوراتها..

يظل السؤال الذي طرحته من قبل، و أعدت تكراره عدة مرات مازال قائما،، من الذي “يصنع الحدث في السودان” الجيش هو الأن مصدر الحدث، و حتىهو الذي يطرح أسئلة الحكم، و القوى السياسية الأخرى هي التي تعلق عليه دون أن تقدم أفكارا بديلة، وتقف في حد استنكار لخطاب الجيش.. فالفراغات التي تخلفها القوى السياسية تحتم على الآخرين أن يملأوها، و دون أخذ إذن من أحد،فالسياسة تتطلب اليقظة.. أما إذا اعتبرت بعض القوى السياسية أن حديث العطا هي بالونات أختبار ليس في اتجاه القوى السياسية انما لمعرفة الرأي العام و ميوله، أيضا تتطلب حوارا يتطلب شغل ذهني و ليس تقديم فزاعات و شعارات جوفاء ليس بها مضامين.. و هناك عقليات أصابها عطب، و أخرى تكلست، هؤلاء أصبح رهانهم على الخارج، و الذي سوف يجعلهم خارج المسرح السياسي في المستقبل.. الفكرة تقابل بالنقد و أفكار بديلة.. و نسأل الله حسن البصير…

Comments are closed.