فى وداع إبن التلفزيون البار نصر الدين.. تجليات المشهد
بقلم: د.عبدالسلام محمد خير
برغم التباعد المشهد يتجلى.. هناك رساليون والأصول غلابة (ولا نقول إلا ما يرضي الله، إنا لله وإنا إليه راجعون).. رحم الله نصر الدين علي مصطفى وأكرمه وجعل الجنة مقره ومثواه وبشر ذويه بعاقبة الصبر وهم به موقنون (وبشر الصابرين).. شاهدنا التلفزيون ينعيه حدثا بين (أحداث اليوم) والأيام عصيبة.. تجلى على الشاشة التي هي (شاشته) إبنا بارا لها، بسجل أعماله كما عددها زملاؤه، بورك فيهم، وقد بادروا بما يعين على الصبر والإستبشار بالعاقبة، فجعلوا العزاء (ختمة جماعية) عن بعد.. لعلها نيته.. إنها وصية مغادر يحدوه اليقين، تتجلى في ختمة قرآن جماعية تقربا لله بالدعاء له.. خطوة تشبه نهجه الذى يفيض إطمئنانا ويقينا..خاشعا لله تعالى.
جاءني من المذيع جمال الدين مصطفى نعيه لزميله البار بإدارة الاخبار وبإدارة البرامج الثقافية، منوها لدوره في البرامج الدعوية عبر ثلاثية (أطرافها سمية ميرغني شريكته في الحياة، وهو بتعدد مهاراته، وطرف ثالث هم كوكبة من خيرة أبناء وبنات التلفزيون ، مخرجين ومعدين ومقدمين ومراقبين وإدارة عليا إختاروا أن يحملوا راية إعلاء رسالة الدين عبر البرامج الثقافية والتربوية فأبلوا بلاء حسنا).. هكذا كتب جمال، منوها لمكانة الراحل العزيز نصر الدين من هذه النخبة (شخصية يتمثل فيها صفاء المؤمن الحق، تظهر تجليات نجاح البرنامج من خلال تبسمه وسط فريق العمل).. هذه (التجليات) التي نوه لها جمال تراءت لي متعددة فى هذه الأجواء الروحية الجماعية التي أحاطت بوداع نصر الدين.. باكورة التجليات (ختمة للقرآن الكريم، جماعية وعن بعد).. ونعم التجليات يا جمال.
برغم العزلة التي فرقت أهل البلد وأهل الحيشان هناك تجليات تعين على تجاوز الأحزان بما كان يحبه نصر الدين.. تلاوة القرآن الكريم تنزلت بركاتها تعزز ما ورد من خصائصه وإتصاله بالدعوة إلى الله.. كانت شاغله كمخرج ومتصل بمعينات الإنتاج، بل هي شاغل أسرته الكريمة، فقرينته هي رئيسة قسم البرامج الدعوية بالتلفزيون.. بيئة متكاملة، وظيفيا وأسريا، متصلة بمنصات القرآن الكريم، إحياء السنن، التحلي بالصبر والإحتساب، إستدعاء مناقب العمل الصالح.. السلوى تتجلى.. إن هذا النوع من البرامج شكل تجربة إعلامية مؤثرة، جديرة بالتوثيق إحتفاء بتجليات أهل العزم والعمل الصالح، وملامسة الأنفس المتعففة.
يعلم جمال إنه من التجليات هذه التي نوه لها تلاحظ إقبال العاملين للمشاركة في البرامج بروح (رسالية).. إن كتابا تحت الطبع شعاره (إلهامات الأثر الباقي للرسالة الإعلامي) عول على ما يبقى من باب الذكرى (علم ينتفع به).. حاول أن يرصد أسماء البرامج ومن شاركوا فيها من العلماء والفقهاء وأهل الذكر، والمخرجين والطاقم المنتج والعاملين بالقسم .. الكتاب عكف عليه أقربون من التجربة، المخرج عادل عوض مخرج البرامج الدعوية، سمية ميرغني رئيسة القسم، حسن عبدالله، الرئيس السابق للقسم، يس إبراهيم وجمال الدين مصطفي ممن كانوا في قيادة البرامج الثقافية التي ينسب لها قسم البرامج الدعوية صاحبة هذا الإرث البرامجي المبارك الذى تسابق للإسهام فيه أجيال واجيال.. وجب التوثيق .. من لا يجد إسمه لا تثريب عليه، فالأجر عند الله محفوظ بإذنه تعالي.. ما هتفت به النوايا والأفئدة والعقول، مذكور.. مقدمو البرامج يناشدون المشاهدين في نهاية الحلقة (أشركوهم فى دعائكم).. الدعاء عن بعد وعبر الجماعة موعود، باذن الله (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). ومن التجليات أن يبادر العاملون في وداع زميلهم بالدعاء وله ولمن رحلوا.
تلاوة القرآن الكريم تتجلى لحظة الوداع، تعطر سيرة من رحل.. هذه سيرة متداولة في قروب العاملين (وقار، مروءة، ثبات أمام المتاعب).. وزاد قروب الإجتماعيات (نقي، ورع، مهذب، يقابلك كأنه شقيق لك).. وأشهد إنه كان كذلك وهو يزورني في البيت قبيل الحرب، كأنه مودع.. إن سيرة من ترتضيه الجماعة تبشر بعاقبة الدعاء له ولجميع من رحلوا بإذن الله.. (الجماعية) طبيعة العمل الإعلامي فهو (رسالي) والجماعية من علامات قبول الدعاء (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)- سورة الحشر، فلنتوجه بالدعاء لجميع من رحلوا، رحمهم الله وألزم ذويهم الصبر (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).
حز في نفسي بعدي بينما العاملون يتجمعون حول القرآن الكريم.. أسعفني المكان للتقرب إلى الله تعالي بالدعا له، ولجميع من رحلوا، رحمهم الله وأكرمهم.. ثم خطر لي أن التحق بالتلاوة..وجدت أمامي الجزء الرابع.. يبدأ من ختام الجزء الثالث (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ).. إستوقفني معناها مقترنا بموقف لأسرة في مقام الإحتساب، اعقبه خير كثير.. الشيخ الشعراوي قال انه لا يفسر، انه يتامل، لذلك رسخت المعاني.. وكان الشيخ الصافى يتحرى صوت الكلمة القرآنية.. (كَلا)!.. سورة الشعراء، ويكمل بعد وقفة بشوشة مستبشرة (قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).. إنها (المعية).. إنها (المعية).
مضيت أقرأ وأتامل وأبتهل..الآية 103 (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) – الآية.( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) – الآية. (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) – الآية. (فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ) – الآية.. جذبني التأمل، إنها سورة آل عمران، وقد قال عن أفضالها أهل العلم ما قالوا، منه فضل الدعاء، فدعوت (رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ)- الآية.. ختام السورة في فضل الصبر، الآية 200 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).. وهناك تذكرة فى فضل الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الآية 101 (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ) – صلى الله عليه وسلم.. هذه الآية بتجلياتها كانت آخر العهد مع البرامج الدعوية برجاء في المخرج الهميم عادل عوض ليعالج حروفها تقنيا، تذكرة، وذكرى الآن.. التأملات مستمرة، ففي الأمر (تقوى).. سورة النساء مكملة للجزء الرابع وبدايتها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا).. (التقوى) غاية كل العبادات تجسدها تلاوة جماعية مقترنة بالصلاة والسلام على خير الأنام.. الجزء الرابع يفيض بتجليات تلوح بشائرها حول أوراح رحلت وأخرى باقية على العهد.
فكرة (التلاوة الجماعية عن بعد) رسخت.. المشرف المبدع (شريف) وزملاؤه، بورك فيهم، نوهوا بأن نبادر بها حيث كنا.. وهكذا تترى (التجليات) طالع بشرى لتمام المقاصد كما نوه المذيع الملهم جمال مشيرا إلى (طلة) نصر الدين البشوشة المطمئنة لحظة ختام البرنامج، فالناس يستبشرون بوجود إنسان (صباح خير) في مناسباتهم السعيدة، ليطمئنوا.. العزاء للأسرة وللتلفزيون في (إنسان صباح خير).. سيرة باقية ورسالة موصولة بإذن الله.. إبنتنا الفاضلة مؤهلة لضرب المثل كما فعل نصر الدين.. عهدناها تنذر نفسها للدعوة إلى الله عبر خطاب كوني غايته التقوى والعمل الصالح والصبر في الشدائد..اللهم إرحم نصر الدين رحمة واسعة، وبارك في عقبه.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين.
Comments are closed.