الحرب و الوطنية وضياع المصالح

34

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن

قال المبعوث الأمريكي للسودان توم بيرييلو في نيروبي و هو يخاطب مجموعة من السودانيينهناك، أنهم فتحوا قنوات إتصال مع الاتحاد الأفريقي بخصوص تهيئة لإعداد و تجهيز قوات للتدخل بهدف حماية المدنيين في السودان، و أن هناك إجماعا كبيرا من دول العالم برز خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، على وقف الحرب في السودان و العودة إلي مسار الحكم المدني الديمقراطي.. درج المبعوث الأمريكي منذ تعينه في هذه الوظيفة، و طوافه على السودانيين في نيروبي و كمبالا و أديس أبابا أن يطلق التصريحات و الوعود و التلويح بالعصى، و يقول المثل السوداني ” السواي ما حداث” و ربما يكون كثرة حديثه بسببالضغط عليه من قبل الذين اعتمدوا على الرباعية و المجتمع الدولي أن يكون لهم رافعة للسلطة، لذلك يحاول طمأنتهم بشتى الصور..

أن المبعوث الأمريكي بهذه التصريحات التي يطلقها يوميا، يبين أن سعي أمريكا من أجل وقف الحرب ليس بهدف رحمة و شفقة على الذين تحصدهم يوميا الآلة العسكرية، و لكنها بهدف مصالحها الخاصة، و الآن بعد ما بدأت الكفة تميل لصالح القوات المسلحة، بدأت تخرج التمثيليات من الدولة الداعمة للميليشيا بالقول ” أن طيرانالجيش السوداني قصف سفارتها في الخرطوم” أن العديد من الدول العربية التي تعلم يقينا أن الأمارات هي التي تزود الميليشيا بالسلاح الذي يقتل عشرات السودانيين و يشردوا من منازلهم، و رغم معرفتها قد التزمت الصمت لكنها خرجت لكي تدين قصف لم يحدث إلا في خيال حكام الأمارات.. أن تمثيلية الأمارات هي للتمويه، لآن العالم أصبح مقتنعا أن الأمارات شاركت مشاركة فاعلة في الحرب بعناصرها الذين قتلوا في مطار نيالا، و أيضا الجيش يحاصر المصفى و أحياء الخرطوم ” الرياض و المعمورة و الطائف و المجاهدين و غيرها و ربما يكون هناك عملاء لهذه الدولة يديرون المعارك مع ما تبقى من قيادات الميليشيا، أو حتى البعض ربما يكونوا بالفعل قد قتلوا و تريد أن تجادل أن هؤلاء كانوا في سفارتها، رغم أن الخرطوم خالية تماما من البعثات الديلوماسية، أن قلق الأمارات يؤكد أن لها عملاء يعملون مع الميليشيا و سوف يقعون في الأسر لا محال، لذلك تبحث عن التبرير منذ الآن..

أن توم بيرييلو عاد مرة أخرى للمنطقة بهدف إيجاد مخرج للأمارات التي تعتبر الداعم الرئيس للميليشيا، و ظهر ذلك عندما أصرت أمريكا أن تشارك الأمارات في مفاوضات جنيف كوسيط ، و الآن رجع المبعوث مرة أخرى لكي يلوح بالعصى، و التدخل العسكري في السودان بهدف الضغط لإيجاد مخرج تفاوضي يعيد البلاد مرة أخرى إلي الجدل العقيم ” الإتفاق الإطاري” و هذا الملف قد تجاوزته الأحداث تماما ،و الحرب سوف تشكل واقعا جديدا في البلاد.. أن الولايات المتحدة رغم كل شعارات الديمقراطية التي ترفعها لم تحقق إنجازا واحدا في أية دولة في العالم لكي تحولها من الشمولية إلي الديمقراطية.. أن قضية الديمقراطية و التحول الديمقراطي مسألة مرتبطة بالمجتمع في أي دولة، و مرتبطة بوعي القيادات السياسية المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي، لأنها قضية سوف تصطدم بمصالح للقوى المحافظة، و القوى التي ارتبطت مصالحها بالنظم الشمولية.. و أن القيادات التي يقع عليها عبء عملية التحول الديمقراطية يجب أن تكون مدركة لدورها، و التحديات التي سوف تواجهها، و يكون نفسها طويلا و صدرها واسعا و ذهنها متقدا يؤهلها أنتقبل الأراء المخالفة لها، و تخضعها للحوارالمستمر حتى لا تكون عقبة في عملية التحول.. قيادات يجب أن يكون إيمانها قوي بالجماهير،لأنها هي صاحبة المصلحة في التغيير، لكن قياداتتعتقد أن خدمة الأجندة الخارجية هي التي سوف تقنع أصحاب الأجندة أن يشكلوا لها رافعة للسلطة لا اعتقد أنها قيادات صالحة لعملية التحول الديمقراطي، لأنها هي نفسها تبحث عن مصالحها و ليس عن الديمقراطية، و جعلت لها جيشا من ضاربي الدفوف الذين أيضا يبحثون عن مصالحهم من أصحاب أجندة الخارج..

أن الحرب الدائرة الآن في السودان هي لم تدمر فقط البنيات الأساسية في الدولة و تشريد المواطنين من منازلهم و مناطقهم، و لكنها كشفت أيضا كل السوء المختزن في المجتمع، و كشفت هشاشة النخب أيضا الذين يلهثون وراء مصالحهم الخاصة حتى إذا كان ذلك بيع الوطن، و كشفت كيف تسرق ثروات البلاد و كيف تهرب خارجها و لا يعود ريعها للوطن لكي يعمر، أن الذين وراء نهب الثروات هم أكثر عداء للشعب إذا كانوا أفرادا أو حتى مؤسسات في الدولة، الحرب كشفت ضعف التربية الوطنية عند البعض، أن ثروات البلاد تنهض بها دول أخرى و شعبنا لا يجد خبز حاف يقوي به صلبه.. الحرب بينت أن هناك شباب في البلاد مستعدون أن يدفعوا أروحهم من أجل نصرة الوطن.. و هناك فئة تهرب من وطيس المعارك، و يا ليتها التزمت صمدت على ذلك، و تجدهم أصبحوا أبواق داعمة للميليشيا، و مساندة لها تحت شعارات زائفة، لا وجود لها في ثقافتهم و وعيهم إذا كان لهم وعي، و قد كشفت ممارساتهم تحالفهم مع الميليشيا و دعم الأجندة الخارجية الطامعة في ثروات البلاد.

كل الدول تعمل من أجل مصالحها، ما عدا شعب السودان الذي لا يعرف كيف يبني علاقاته وفقا لمصالحه، شارك السودان عام 1956 في التصدي لنظام عبد الكريم قاسم في العراق عندما أراد غزو الكويت. و شارك السودان في الحروب ضد إسرائيل، و شارك السودان في حرب اليمن إلي جانب الأمارات و السعودية، و عرفت الأمارات كيف ترد الجميل الذي يستحقه السودان.. و وقف السودان بقوة في تلك المشاركات من الذي وقف معنا الآن غير مصر و القليل من العرب و دولة اريتريا.. يجب أن نتعلم من تجاربنا و نعرف كيف ندير مصالحنا و نقوي علاقاتنا وفقا لهذه المصالح… و نتوقف تماما عن إرسال أي قوة عسكرية لمساندة أي دولة مهما كانت العلاقات معها.. و قد أثبت الشعب السوداني أنه جدير بالدفاع عن أرضه و عرضه و وحدة بلده.. و نسأل الله النصر و التوفيق و حسن البصيرة..

Comments are closed.