د.عبدالسلام محمد خير يكتب: مشاهد (سودانية) بَحْتَة

48

الأمور عصيبة مازالت ولكن من داهمه الفرح بشيء يجبر الخاطر ماذا يفعل غير أن يتفاءل، ويدعو؟!.. هناك مشاهد عملية تلقائية تذهب بتجلياتها بعيدا فتلامس نفوسا منهكة تهفو نحو نصر يتراءى والمعارك يعلو شأنها شعبا وجيشا.. بين طيات ما يفرح المنهكين تنهض الهمم من باب (تفاءلوا بالخير تجدوه)..الدعوة هي للتفاءل، حمدا لله، مناصرة، كل في موقعه بما يجبر خاطر بلد تعزيز هويته بعد الحرب (أولوية) قوامها (مآثر السودانيين).. هل يسعفها عمل مواكب؟.. تستطيب الأمثلة متى لاحت.

1/ صادفت على (النت) ندوة خارج البلاد حول (شيم أهل السودان) .. عجبت لمن قال إنها تتمثل فى مفردة (زول)!.. الندوة يؤمها عرب وعجم وسودانيون ويتصدرها دكتور صديق عمر صديق، أحد المتمكنين فى اللغة العربية وأصولها.. فاجانا بان مفردة (زول) ترجع لأصول اللغة العربية، وتعني (إنسان في منتهى الرقي) ويقابلها بالإنجليزية (Gentle)!. رجعت لباحث يتعاطى اللغتين، أستاذ عبدالله حميدة، فقال (زول) هو (الرجل النبيل).. وبها يخاطب الحضور الأنيق (Ladies and Gentlemen).. واقترنت المفردة بالإتفاقيات الراقية ( Agreements Gentlemen).. صادفت معلومة أخرى أوردها البروفسور إبراهيم القرشي بفضائية عربية.. قال إنها من أصل عربي وتصل لنحو عشرين مفردة (هميم، كريم، شجاع).. أما المرأة فهي (أصيلة، صبورة، نقية) وما إلى ذلك، فهناك من إرتقى بها لمنزلة (الزول) الذى (كان بآنسك) يا بلد، في (رمزية) مهولة تصورها شاعر لماح .. أدركنا المعنى الآن..أي شيء هي الحرب سوى نزوح (زول) هو (نوارة فريقه) إلى (بلدا ماها هيلو)؟!. وأي شيء هو السلام سوى عودة (زول) بعزة نفس ما زعزعتها الحرب.

2/ يا سوداني يا راقي.. يا (زول).. يا (شهم)- كما ينادينا غيرنا بالمفردتين تحديدا لنتذكر من(نحن) فنحميها بالمزيد من (نحن)..على (النت) حوار حول (معركة) ما بعد (كرري).. فكانه تذكير بمعركة ما بعد هذه الحرب، صرفها الله.. الباحث عوض بابكر، الفنان بادي محمد الطيب والأستاذ حسين خوجلى في سيرة عفاف حسان أم در وقيم المجتمع و(سنة الإسلام السلام).. الحوار عن (الحقيبة) لكنه يوحي بأن قضية ما بعد (كرري) كانت (إعمار الوجدان) كأساس لإعمار البيوت وتواصل الأجيال وحفظ (الجينات)..فهمنا أن (حاول يخفى نفسو وهل يخفى القمر) لم تكن مجرد أغنية طروبة، ولا (أما حسنك أهاج الشجون) ولا (لي في المسالمة) – هنالك عفة مهولة، سجايا مدهشة، وقبول رائع للآخر.. ثلاثية مدهشة..(الحقيبة) كانت (فكرة)..الفكرة هي الإنتقال بالمجتمع من(حالة الحرب) لحياة جديدة قوامها التواصل، التراحم ومآثر من رحلوا..لا حرب تدمر إبداع أمة.. العالم يقول.. ثقافة المجتمع وجيناته تستعصي على كل حرب..هاجس (ما بعد كرري) يراود..(سلاح الإبداع) يتجلى إستبشار بالقادم، بدء بصوت (جزلي) الجهير (هنا السودان.. هنا النصر).

3/ وللقادم إرهاصات.. الخبر الأكيد إن السودانيين بدأوا العودة.. لسان حالهم (الشافنا راجعين لي ديارنا..أصلو ما كضب)..صدح بها (هلاوي) فأهاج الفضاء، كأنه وفد مقدمة.. إنتشرت صوره وهو يقدل في بيته، يتأمل شجرة ظلت واقفة، لا تتزعزع، ويتفقد تلفزيونه ويحدث نفسه ليتأكد أنها جاءت وأن الدنيا تسمعه.. من أمريكا تلقيت ماكتبه لحظة دخوله بيته بالحلفايا: (نعم لم يتركوا لي في الدار من شيء.. لقد أخذوا كل شيء.. فقط عجزوا عن أخذ قلبي.. إيماني بربي..وثقتي في القادم من الأيام).. قال هذا وحمد الله.. شكر الجيش وصديق له نبيل، ومضى يدندن (لو بتريد سودانك فعلا.. لو بتريدو ..كنت ملصت بعيد نعلاتك.. وكنت حِبيت ..سلمت في إيدو).. وللوصية بقية (المهم أخلاقنا ترجع.. وتاني نرجع نحن ناس).

4/ كم من أنشودة (وصية) تلهم (سودانية) السودانيين وهم يواجهون (حرب هوية) بالمزيد من معززات الهوية.. مجرد قصة فى مطعم تكفي مثالا..فديو يثير الشعور الوطني بمدخل مستفز(وا أسفاي وا زلي.. لوما جيت من زي ديل.. وأهل الحارة ما أهلي)!..فتابعنا..الراوي إستفزه من يهامس صاحب المطعم (عشا ما إتعشو!..حاجة أشيلا لفطورم)!..أول رد فعل (واحد من الناس دق صدرو.. نظر لصاحب المطعم قائلا يا الحبيب الزول داح حسابو علي أنا)!.. الراوى يتدخل (الموقف عجبني، دي رجالة!.. قلت ليهم أقسم بالله كلمة ما تقولوها.. إنت وهو حسابكم علي)!.. آخر( يا إخوانا هوي.. والله العظيم.. كلكم حقكم علي)!..صاحب المحل يتدخل ( إنتو أرجل مني؟!.. كلكم تشيلوا والحساب علي)!.. الراوي معلقا (دا السودان البنعرفو.. وقاعدين فيهو رغم كل المصائب الفيهو.. وبنحبوا ونموت فيهو)!..أعادنا للحن البداية (لو ما جيت من زي ديل).

5/ و (من زي ديل) إستوقفتني مرافعة للوطن في (قروب) بلسان سودانية شخصيتها مألوفة فضائيا.. طلتها، بلا إسم، تنبىء عن (رمزية) لجيل مستنير يحدوه نضال وإبداع .. إستدعت ذكريات البلد (كان صوت الرصاص أفراح) لتعانق حاضره الأليم (دموعي عليك.. تغرق نيلك)!.. عرت الحرب شعرا، فلا مزيد من كلام.. ترقبت خاتمة تجبر الخاطر ففاجأتنا بها.. نداء للوطن (عليك الله.. تشد حيلك).. هكذا!.. وكررتها!.. (عليك الله.. تشد حيلك)!. فماذا بعد الحرب سوى(شد الحيل) ليتسنى (حماية سودانيتنا بالمزيد من سودانيتنا).

العزائم تتجلى، باذن الله، لتغير ما بالأنفس لينصلح الحال (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).. قوام الأمر إستراتيجية (إرث البلد، طاقات الشباب، العمل مقياس).. دعاء المنكوبين يبارك، اللهم أنصر البلاد، شعبا وجيشا، تقبل الشهداء وأشف الجرحى وأجمع شمل المفقودين، ولك الحمد والصلاة والسلام على رسولك صادق الوعد الأمين.

Comments are closed.