العلاقات السودانية الصينية.. الإستثمار في الذكريات

67

بقلم: د.عبدالسلام محمد خير
الخرطوم وبكين (توأمة نهرين).. حلم قديم تؤججه سهرة بالفضائية السودانية تشيع الطمأنينة وحرب مستبدة مازالت تراوح، الثلاثاء الماضي.. فوجئنا بوزير يتبسم وهو يدخل الاستديو عقب نهار متقلب.. علمنا إنه قادم لتوه من بكين.. أسئلة ساخنة لاحقته بها صحفية لا تربكها الأضواء، بل هذه طبيعة السهرة فعنوانها (تساؤلات) – تطرب بلا أوركسترا!.. بالمعلومات والذكريات.. سريعا أدركنا إنه أسبوع الإحتفال بالعيد الوطني  لدولة تشهد على صداقتها قاعة، جسر، مستوصف، وطريق قال فيه وزير الإعلام الأديب ما لا ينسي.

  والأكروبات.. نحن رواد:
السهرة تبدو (فلتة) في هذه الظروف.. تنبىء عن إعلام يواجه الحرب بالمعلومات المطمئنة فيوحي بأن القادم افضل – برغم وبرغم.. التقديم تلقائي وذكي، الضيف حاضر الذاكرة ملم بتفاصيل العلاقة مع الصين، متفائل لدرجة التفاخر بأننا (دولة نفطية بمقاييس عالمية).. ما قاله مجدد للآمال ومنعش لذكريات وتاريخ ممتد مع دولة ما استعمرت دولة، ولا تدخلت في شؤون غيرها، كما يتردد.. الضيف هو الدكتور محي الدين نعيم، وزير الطاقة والتعدين المكلف.. شخصية مستبشرة يغلب عليها غموض يميز رجل الدولة المفاوض.. مهاراته تبدو كامنة، تغري بالتفحص (درجات علمية، دراسات في القيادة وفن التأثير والتميز المؤسسي من منظور أوربي، مدير مركز التدريب النفطي، مستشار للوزير، مدرب معتمد بالخارج).. طلته ومعلوماته وطريقة طرح الأسئلة أشاعت طمأنينة والظروف عصيبة، فتابعنا.. تلفح الحوار بتجليات علاقة تمددت برغم ما إعترى مسيرتها.. يغلب عليها طابع الذكريات المنتجة، فهي ممهد لما (يضخ) دون إبطاء.. إن (ما كان) أصبح ذكرى.. الدليل على (ما كان) وبأروع مايكون هو ملحمة إنتداب أطفال، يافعين (فلذات أكباد) لتدريب شاق هو الأول من نوعه.. سريعا ما إشتهروا بأنهم رواد (الأكروبات السودانية) مخلفين تجربة بلا مثيل، قربت الصين من المجتمع وأظهرت قدرة سودانية فائقة في تلقي المعارف (ولو في الصين).. إنها مثال لما بدأ باهرا ثم توارى.

    .. إياك أعني:
الأماني إنسابت نفطيا.. الوزير يحدثنا بارتياح عن نتائج زيارة رأس الدولة للصين في هذه الآونة الحرجة.. السودان يتقدم وفده رئيس مجلس السيادة ظل محل حفاوة لافتة يرقبها العالم منبهرا بالمشهد وبالتوقيت وبالفكرة.. الزيارة سرى أثرها عالميا ومن باب (إياك أعني).. هذا مقام السودان.. فالصين إذا أحبت صدقت، ففعلت.. ما طرحه الوزير يشكل بادرة لتجديد علاقة تتمتع بالمصداقية تعززها مواقف عملية.. مضت السهرة بطابع إحتفالي قوامه الذكريات، فتذكرت ماقالوا لوفدنا يوما.. علاقة يريدونها بشىء مشترك هو (إنسياب) النهرين (النيل) و(اليانغسي).. يريدونها توأمة قوامها الزراعة، وكانت تشغل الصين وعينها على قفذة إقتصادية.. كان شعارهم (تعلموا في الزراعة من تاشاي) بعد حرب ووجهت بسلاح (الثورة الثقافية) و(دع ألف زهرة تتفتح).. تاشاي هذه منطقة ضربت مثلا في (إعادة الإعمار ذاتيا).. كأنها تجربة مهداة.

    ما تراه العين:
الحوار مع السيد الوزير يؤشر لأجواء جديدة أحاطت بصداقة قديمة حفية بالتفاؤل، كما سبق ونوه سفير للصين (إن علاقة البلدين في تطور مستمر ولن تتأثر بالمواقف الدولية).. مؤكدا أنه لا يوجد (ما يحول دون تدفق الإستثمارات الصينية بالسودان).. بل هم يفكرون في المستقبل، وكيف تكون هذه العلاقة أقوى (نحن نطمح لإقامة تكامل إقتصادي بين البلدين).. إنهم جادون فيما يقولون، ولا بد من نتائج وإن طال الزمن.. المراقب دليل تفاؤله ما أنجزته الصين في السودان (مما تراه العين).. الآن بذات التدقيق (ماتراه العين) يتجدد التعامل مع هذه الدولة الكبرى التي تتمتع بالإمكانات وبالمصداقية والإحترام و(حق الفيتو).. ألا نجد في هذه التجربة الفريدة مع دولة صديقة (جدا) ما يعين علي إستثمار (مستقر) في بلاد (موارها) حيرت العالم؟.

       (لو كنت المسؤول):
فى الحوار محفزات لإجابات عن أسئلة نفطية مسكوت عنها وعن وجهات نظر أخرى في جدل التنقيب.. (لو كنت المسؤول) برنامج شهير للصحفي المرموق أحمد البلال تذكرته وأنا أشاهد فقلت ماذا لو السهرة، برغم ثرائها، أضافت فقرة عبر الهاتف، أو أتحفت نفسها بحلقة أخرى، لإشراك شخصية نفطية برؤية أخرى، أو دبلوماسي ممن عملوا بالصين وخبروا ملف النفط، أو شخصية مؤثرة بلجنة الصداقة بين الشعبين؟.. بل لو كنت المسؤول بمؤسسة إستراتيجية لأوصيت بأن يكون النفط أولوية الدولة.. متى نهضت دولة نفطها بين يديها ويتعزز؟!..ثم إني لو كنت المسؤول لإستدعيت فريق السهرة وشكرتهم والتلفزيون لكونهم تذكروا (النفط) تحديدا في (هذا الوقت) تحديدا، ولدعوتهم للتعاون مع إعلام الوزارة وتقديم (تصور إعلامي) يؤاذر العمل النفطي في هذه الظروف الدقيقة، يعرف بالإنجازات، يحفز القادم ليتجلى ويسعف حال البلاد.. إن طرح الوزير مما يقال عنه (له ما بعده)..إنه يحفز لعقد منتدى تخطيطي عملي يعكف على (التفكير إستراتيجيا) مع إستدعاء ما (يسعف) من التجارب والإجراءات (المساندة لموقف البلاد النفطي).. مساندة قوامها أن (نبدأ) بلا تردد.. أن (نقرن القول بالعمل).. أن نخطط (إستراتيجيا) وننفذ (صينيا) والعين على النتائج و(مصالح البلاد العليا).. يقولون (مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة).. لعلها حكمة صينية.

Comments are closed.