(بعد.. و.. مسافة) مصطفى أبو العزائم: في (17) هب الشعب طرد جلاده..!
يوم الأحد القادم (17) نوفمبر تمر علينا ذكرى إستيلاء الفريق “إبراهيم عبود” – طيب الله ثراه – وصحبه الكرام على السلطة في البلاد
كأول إنقلاب عسكري في العام 1958م ، بعد عامين إثنين فقط من إستقلال البلاد ، ليصبح أول إنقلاب عسكري أعقبته إنقلابات وإنقلابات..
ما نجح منها أصبح ثورة، وما فشل كان محاولة انقلابية (غاشمة) كما تقول ألسنة الأنظمة التي جرت محاولة الإنقلاب ضدها.
إلى الآن يدور لغط كبير حول إنقلاب الفريق “عبود” وصحبه الكرام ، إن كان الإنقلاب حقيقياً بتدبير وتخطيط من قيادة الجيش
أم أنه إستجابة لرغبة أحد زعيمي الطائفتين الدينيتين الكبيرتين في البلاد ، والذي هو في ذات الوقت راعٍ لأحد الحزبين الكبيرين.
بالطبع يصعب علينا إطلاق إسم (إنقلاب) على ما حدث إن صحت تلك الروايات الخاصة ،
بأن كل الذي جرى لم يكن أكثر من عملية (تسليم وتسلم) ، كما أننا لا يمكن أن نطلق على ذلك الحدث الكبير اسم (ثورة)
رغم أن الفريق “عبود” وصحبه الكرام أطلقوا عليها اسم (الثورة المباركة) .
قرأت حواراً قديماً نشر في إحدى المجلات اللبنانية، وأعدت نشره في مجلة (البرلمان) التي كانت تصدر عن إعلام مجلس الشعب القومي
أيام حكم الرئيس الراحل “جعفر نميري” – رحمه الله – وكنت أسهم بالكتابة فيها، أقول أنني أعدت نشر حوار أجرته إحدى المجلات اللبنانية
أجري مع الفريق “عبود” سأله المحرر المحاور عن (الإعداد) للثورة وكيف كان يتم.. وأين كانت تعقد الإجتماعات الخاصة بالإعداد للثورة ؟
الفريق “عبود” أجاب بأن إجتماعاتهم كقيادة عليا للقوات المسلحة ، كانت تتم وفق جدول زمني محدد ،
ولم تكن تتم في مكان واحد – حفاظاً على السرية – إلى أن قاموا بالإستيلاء على السلطة !
القيادة العليا للجيش كانت (تخطط) لثورة
ذلك السؤال وتلك الإجابة لم يقنعاني بأن القيادة العليا للجيش كانت (تخطط) لثورة تطيح من خلالها بالنظام القائم ، فكل قيادات الجيش آنذاك ممن بلغ سن المعاش أو إقترب منها، ورجال في مثل تلك المرحلة العمرية إما (ناصحون) وإما يتهيئون للرحيل، إذ لا نحسب أن أطماع السلطة والثروة يمكن أن تسيطر على عقولهم ، فقد تجاوزوا سن الأطماع، وأصبحوا في مرحلة النصح والإصلاح.
أما تسمية (الحركة المباركة) بالثورة فقد جاءت حسب الروايات المتواترة نتيجة لسؤال من الصحفي المصري الكبير الراحل “محمد حسنين هيكل” الذي كان قريباً ومقرباً من الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر”، في إحدى زياراته للسودان، وقد طرح سؤالاً على الفريق “عبود” – ويبدو أن الود كان مفقوداً بين الرجلين – وسأله.. كيف تطلقون على ما قمتم به ثورة، وأنتم لم تطرحوا برنامجاً سياسياً يحدد منهجكم وفلسفتكم في الحكم ؟
وكان الراحل “هيكل” يعتبر أنه لا ثورة في كل المنطقة آنذاك إلا الثورة المصرية التي جاءت بعد إنقلاب (23) يوليو 1952م،
ولكن كانت إجابة الفريق “عبود” ذكية ومفحمة ، إذ رد بهدوئه العجيب ما قمنا به في السودان هو مولود شرعي للقوات المسلحة السودانية ،
وللوالد حق تسمية مولوده بما يشاء.
غنى السودانيون ضد الديمقراطية الطائفية الزائفة،
سبحان الله.. غنى السودانيون ضد الديمقراطية الطائفية الزائفة، وتغنوا لـ”عبود” ورفاقه بأغنية:
“في 17 هب الشعب طرد جلادو” وغنوا لهم : “بلبل طار وغنى يحكي للعالم عنا” وغير ذلك الكثير،
وعندما غابت شمس النظام في أكتوبر 1964م ، إنقلبت الآية فأصبح النظام رمزاً للعسف والجور والديكتاتورية والظلم.. ومرت السنوات ليتباكى السودانيون على ذلك النظام
الذي شهد فيه السودان إزدهاراً اقتصادياً وتنمية في كل المجالات،
ولم يكن أحد يشكو من جوع أو مسغبة، فأخذوا يهتفون أمام الفريق “عبود” وهو يمشي في الأسواق : “ضيعناك.. وضعنا معاك يا عبود”.
مع القراءة الدقيقة للواقع السوداني ، ومحاولة تحليل أسباب الثورات الشعبية والإنقلابات العسكرية ،
نكتشف أن الذي يدفع السودانيين إلى الخروج إلى الشارع ليس التردي الإقتصادي ، ولا الغلاء ولا الجوع حتى.. الذي يدفع بالسودانيين إلى الشارع هو الغبن والتضييق على الحريات وكبت النشاط السياسي .
Email :sagraljidyan@gmail.com