المسافة بين انقرة و أرض البطانة
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
الاتصال الذي أجراه رئيس دولة تركيا الطيب رجب أردغان مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان لحل المشكلة السودانية، و وقف الحرب عبر تفاوض مع الدولة الداعمة للميليشيا قبل أيام، أصبح هو الموضوع الرئيس للعديد من الكتاب و المحللين الذين ذهبوا في اتجاهات متفرقة كل يحاول أن يجير الحديث حسب هواه و ما يتمناه، باعتبار أن رد البرهان الإيجابي سوف يفتح صالات الحوار المتعددة، لآن التفاوض لا يؤدي إلي حل يبعد الميلشيا من المجال العسكري و السياسي، لذلك تصبح تسوية لا تتوقف في حدود الجيش و الميليشيا أنما سوف تمتد إلي القوى السياسية..
و لكن البرهان جاء بالرد اليقين في أرض البطانة لا حوار و لا تفاوض و لا هدنة مع الميليشيا التي بدأت تترنح، و كل القوات سوف تلتقي في مدني.. الغريب في الأمر أن البعض لا يفرق بين الردود الدبلوماسية التي تبقي على شعرة معاوية في علاقات الدولة مع الدول الأخرى، و بين قرار قيادة الجيش الذي لا يستطيع أن يتجاوز الشارع السوداني، أن المعركة الدائرة الآن ليس بين جنرالين كما يدعي تحالف ” تقدم” و الإعلام السائر في ركبه، بل هي حرب ضد الوطن و وحدته و استقراره وفقا للأجندة الخارجية، و الذين يدعمون تلك الأجندة و قد تم توظيفهم لخدمتها، و الآن هميطالبون بالتدخل الخارجي و قوات دولية تحت البند السابع و غيره ، هؤلاء و الميليشيا خاضوا حربهم ضد المواطن في العديد من مناطق السودان بالنهب و السرقة و القتل و الاغتصابات، فأصبح المواطن هو صاحب القرار في كيفية وقف الحرب بالانتصار العسكري حيث لبوا دعوات الاستنفار و المقاومة الشعبية و قدموا التضحيات بالغالي و النفيس، أو بالتفاوض الذي لا يجد آذان صاغية في الشارع إلا عند قلة من الناس، هؤلاء ينقسمون إلي فئتين.. الأولى تريد التفاوض لكي ترجع مرة أخرى للساحة السياسية مدعوة بأجندة خارجية، و مجموعة أخرى تقف بعيدا رافعة الشعار ” لا للحرب” لكي تدعي أنها على الحياد رغم أن أغلبية عناصرهم يقفون مع الميليشيا برفع بوستراتهم و صورهم تخزيلا للجيش و الشارع..
أن التلاحم القوي بين الشعب و الجيش في ساحة المعارك هو الذي سوف يرسم طريق الحل الذي يجب أن يمحا فيه أسم الميليشيا تماما في الأجندة و التاريخ السوداني، و أنتصار الجيش في المعركة هو الطريق الوحيد لوقف الحرب،أن المسافة بين أنقرة و أرض البطانة بعيدة جدا لا يمكن أن يلتقيان مطلقا.. و لا تقف الحرب إذا كان هناك شخص واحد من الميليشيا محتفظا ببندقيته.. و إذا كانت القوى الأمبريالية ما تزال تعمل من أجل تحقيق أجندتها في السودان.. الحرب ليس هي ضد الميليشيا فقط .. بل الحرب هي تصحيح لكل مسارات السودان التاريخية التي وصمت بالفشل، هي تغيير حقيقي للعقليات التي لا تعرف إلا مصالحها الخاصة، هي تغيير للمسار السياسي السابق الذي كان يعزل المواطن عن المشاركة الحقيقية في صنع القرار.. لذلك عندما ينتصر الجيش أول فعل يجب أن يقوم به الدعوة إلي انتخابات للجان الأحياء التي يجب أن تمثل القاعدة الأساسية للعمل السياسي في البلاد.. هؤلاء الشباب الذين لبوا نداء الوطن و حملوا السلاح دفاعا عنه هم أحق بالحكم من غيرهم.. و الانتخابات في الأحياء تعطيهم الشرعية أن يتحدثوا بأسم الذين يمثلونهم، هؤلاء يجب عليهم أن يختاروا الحكومة الانتقالية، و هؤلاء هم الذين يشكل منهم المجلس التشريعي للفترة الانتقالية، و هؤلاء هم الذين يختاروا حكام الولايات و حكوماتها.. أن التحول الديمقراطي الذين ينادي به الناس يصبح تحولا حقيقيا شعبيا، و ليست شعارات معلقة في الهولاء.. أكثر الناس خيانة لها هم الذين كانوا يرفعونها.. نسأل الله حسن البصير..