كامل عبدالله يكتب: 9 طويييييلة كندية!

112

بقلم: كامل عبدالله كامل
أعمل سائقاً لتوصيل البيتزا في مدينة هادئة، كنت وما زلت أتوسم في الكنديين اللطافة والبشاشة التي قابلتني في كل مكان وطأته قدماي، حتى أتى ذلك اليوم الغائم الماطر والذي ما تعودت على العمل في مثل أجوائه.

وقفت عند الباب وكبست زر الجرس دون أن يبلغ مسامعي صداه، كان البيت يبدو كالمهجور، صعدت إليه من خلال سلم خشبي بلغت عتباته الثلاث أو الأربع، ممر يستغرق خمس خطوات لا أكثر، أدرت هاتفي لأطلب رقم من بالداخل، أتاني صوتها ناعماً مفتول الحنين كما رنة خلخال غجرية يصدح في بهاء ليلة قمرية.

ألقيت عليها التحية كما حفظتها ولقنني إياها صاحب العمل، أذكر أنه قال لي أنها تدر الكثير من العطف والذي يتبعه حتماً “البقشيش” المعتبر، ما أن أجابت وسمعت مني ما لقنوني أياه، حتى غامت سماء توقعي وهطلت أمنيات غزيرة بي “غمتة” معتبرة من فتاة لابد أنها فاتنة، ستمنحني واحدة من تلك الأوراق التي يزينها بورتريه الملكة أليزابيث.

عدّلت من ياقة قميصي، ومسحت شاربي براحة يدي، وشددت من وثاق حذائي الرياضي الذي أظنه أنيق، وتأكدت من إحكام تلك الكمامة اللعينة، مرت ثواني قليلة سمعت بعدها طرق خطواتها فتهيأت مخيلتي لرؤية صبية خمنت أنها ولابد أن تكون في الثالثة والعشرين، أو الخامسة والعشرين، بعيون زرقاء تلمع كما صفاء موجة عكستها مرايا الشمس، وشعر أشقر بخصل تائهة وقوام فارع كلوعة إشتياق لحبيب غائب.

كانت خطواتها تقترب ويزيد معها ترقبي، تراجعت للوراء خطوتين، وسرعان ما لمعت الإضاءة التي أمام الباب، ورأيت وكرة الباب تستدير نصف دورة، أفرزت غدد ترقبي القليل من الندى الذي علق بجبيني فمسحته سريعاً بطرف كم القميص، ثم بانت هي، بحثت عن ريقي اليابس فلم أظفر به إلا بصعوبة حتى أني ظننت أن تفاحة آدم لن تغادر مكانها.

كانت عيناها دقيقة وغائرة للداخل كفأر تجارب مذعور، أخذت تتقافز في المسافة الفاصلة بيني وبينها بساقي نعامة نسيت أن تدفن رأسها في الرمال، شعرها فسحة ألوان كتلك اللوحات التي يتحجج راسميها بالسيريالية، فقالت قبل أن أكمل في تحيتها: صديقي سيدفع الحساب اون لاين.
بحثت في لغتي الإنجليزية المتواضعة عن عبارات الإعتذار وأفهمتها ان الحساب “كااااااش” و”نااااااو”.

أخرجت بعدها بطاقة بنكية، فمددت لها مكينة السحب الصغيرة التي أحملها معي، سددت المبلغ كما مقيد في الفاتورة، ونزعت البيتزا من يدي بقسوة تتبعها كلمات لم أتبين معانيها، لكنها لا تحتمل غير أن تكون إما نابية أو لاعنة “لميتين أبو أهلي” فهمهت أنها لها كذلك ولعنتها وسببتها كما كانت تسب وتلعن “بت مجذوب” في رائعة الطيب صالح.

كنت متيقناً أنها لن تدفع لي سنتاً واحداً زيادة عن مبلغ الفاتورة، لكن الذي لم يدر بخلدي هو أن عملية السحب لم تكتمل، إكتشفت ذلك في آخر يوم العمل، ضحك صاحب المكان الذي أعمل فيه، بعد أن قال لي وعيناه تلمع من فوق نظارة سميكة:
– لا أحد يتعلم بالمجان، سأخصم منك ثمن الفاتورة لأن المبلغ لم يتم خصمه من ماكينة السحب. كانت تلك فاتورة تلك الفتاة اللعينة، فتاة 9 طويلة الكندية، بت ال….

ذهبت إلى ذات العنوان، طرقت الباب مرة واثنتان، أخرجت بعدها هاتفي وأدرت الرقم، كانت إجابتها فقط رسالة مسجلة بذات صوتها، رنة الخلخال، تراجعت للوراء، ودعوت عليها كما كانت تلهج بالدعاء عمتي “سميرة بت ستنا بت أم الناس”، ناديت أهل القبب على بت جون، دعوة لا تتعطل لا تتبطل!.

Comments are closed.