دراما الحرب والسلام..(إدارة الإبتلاءات)!
بقلم: د.عبدالسلام محمد خير
(الإحتياط واجب).. عليك أن تضع أمامك أسوأ الإحتمالات إذا كنت تنظر بعيدا!.. إنه درس آخر من دروس الحرب، لكنه أصلا هاجس الإدارة الحديثة وديدن دهاقنة التخطيط الإستراتيجي وضالة الأذكياء -كل شيء وارد في عالم متغير تعتريه المخاطر..
موجة الحروب تهدد البشرية وتجعل الإحتياط للقادم (درس عصر) عالمي لتجنب الغفلة بشتى الوسائل وأسرعها- ظهر من يقول إنها الدراما!..
الحكاوي الآن مفزعة وكأنها مسرحية يتحكم فيها مخرج لا يظهر على المسرح!.. بهرنا بذلك خبير فى علم الدراما كاشفا عن (نفسيات ما بعد الحرب) وهو يردد (كل شيء سيتغير)!.. وكاد يقولها صراحة (اللهم فاشهد).
هذا ما يجعل (الإحتياط) واجب فعلا، فكل شيء وارد.. لابد من (رؤية) (Vision) تجسد مستقبل البلاد إستراتيجيا، لتنجو مما يحاك.. (الرؤية) عن بعد هي الحل.
بادرت فضائية فاتخذتها شعارا (الزرقاء).. شعارا ومضمونا.. فضيوفها من أججوا الأجواء على طريقة (لا عذر) لمحو آثار الحرب نفسيا!.. يتصدرهم أستاذ الدراما بالجامعات بروفسور سعد يوسف، نطق عن تجربة عاشها أمام بيته.. والأبلغ مما قيل مشاهد درامية مصاحبة مسرحها الشارع مفادها (لا رؤية) سبقت حربا كهذه أبدا!.. ولا إحتياط!..
الضحايا أقرب لأبطال الدراما، يتغلب عليهم عنصر (المداهمة)!.. تكاد لا تصدق لفداحة المشهد.. لكن هذا ما حدث للبروف نفسه!.
0.. مواجهة بسلاح الدراما:
بروفسور سعد يوسف درامي مشغول ببناء (الشخصية السودانية المتماسكة).. شاهدته على قناة (الزرقاء) يتبسم ويقول كأنه على خشبة المسرح (إذا جاء السلام الدراما ستأتي بإنسان سوداني مختلف تماما)..
غير جلسته وأضاف (إنسان متماسك، بلا غفلة)!.. ومضي يكرر على طريقة (اللهم فاشهد) قائلا (سوداني مختلف تماما)!.. ترك دواخلنا تضج قلقا على نسختنا المألوفة (السوداني سليل شعر الحماسة)!.
مقدم البرنامج درامي من جيل آخر (أبو بكر الشيخ).. لعله يعيد انتاج فكرة (التمدد الدرامي) و(المذيع الدرامي)!. ترك ضيفه ليفصح (بهبشة)!.. فقط يعطيه (رأس الخيط).. فكأنهما في بروفة على المسرح.. تَضَامُناً معا لترى ما هو قادم بعد الحرب لتتصرف.. و(أنت حر)!..
القادم يبدو بعيدا ولكنك ترى طلائعه ماثلة أمام متخصصين في (الوضع الراهن) خارجين لتوهم من نيران الحرب، فمن غيرهم أولى بالحديث؟.. البروفسور الضيف متخصص في تصميم الشخصيات دراميا ونفسيا.. يطرح تصورا لشخصية (سوداني ما بعد الحرب) عن تجربة له هو شخصيا مع من هجموا عليه في بيته!..
إنه أحد الناجين!.. نبه للقادم عن (رؤية) وتجربة.. (سوداني مختلف بعد الحرب).. سوداني كريم وشهم لكنه يتعهد بأن لا تتكرر أخطاء قاتلة للأبرياء- ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أقوال الحرب والمَشاهِد والنفسيات تسيطر على الواقع والمنصات.. تذكر بدور الثقافة لتأسيس (رؤية) للقادم تتجنب المآسي.. أين مشروع (الإحياء الثقافي)؟!.. تذكره بروفسور سعد يوسف وأشار لمبادرات ذكية في هذا المجال لبروفسور أحمد عبدالعال.. له إشارات بليغة لمعني الدراما.. (الدراما هي إدارة الإبتلاءات)!.. قالها في معرض تفسير ما يجري ثقافيا بمنظور الدراما..
كان من رأيه أن نستصحب المعالجة الدرامية في التصدي للمواقف الصعبة!.. كأنه يقول فلنفكر إستراتيجيا دراميا.. أي عن رؤية تحفز لخيال رحب يتيح مساحة للتقارب مع الآخر، كما هو الحال على المسرح، وكما عهدناه في تعامله، عليه رحمة الله، فلقد إتسمت إسهاماته برؤى جديدة للتقارب (مدرسة الواحد) مثالا.. تستلهم التوحيد (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ)- 48 المائدة.
أيام الحرب تكرر ظهور خبراء هاجسهم (التسابق) هذا.. منهم من يرون الدراما أسرع وسائل الإعلام تأثيرا.. ربما لقدرتها على إستدرار الدموع ليسمعك الناس (إسمع كلام الببكيك)!.. هذا ما يبدو من المشاهد الدامية في مسارح الحرب.. مشاهد موجعة لكنها ملهمة للحلول- الكل يقول بذلك..
ليت فكرة المعارف الخلاقة التي تعين على تجاوز المحن وإلهام الحلول تصبح ثقافة عامة.. ما أحوج البلاد للحلول الموحية- غير العادية.
0.. دراما رجل الدولة:
تعريف آخر (الدراما هي الكلام المؤثر)!.. الناس سئمت ما هو معاد وتقليدي.. الحل كامن في أساليب (درامية) أي(مبتكرة) تحتمل المفاجأة.. هذا ما يجدي لإدارة الدولة التي أصبحت عرضة لأزمات وكوارث من قبيل (إبتلاءات) قدرية.
أنظر ماذا يفعل وزير الصحة ووزير التربية والتعليم ووالى الخرطوم وولاة ولايات يظهرون على الشاشة يوميا.. إنهم يضمدون الجراح!.. إنهم يديرون إبتلاءات، هي كوارث لا قبل لهم بها.. الرؤية وسعة الأفق هي المقابل لهذه (الإبتلاءات)- وليدة الحرب..
حسمها يتطلب كسب الفرص وإمتلاك ناصية البدائل.. هناك من ينادي بتعميم فنون الدراما والتخطيط الإستراتيجي والتدريب، توسيعا للآفاق، إنتاج البدائل والعزف على وتر الكلام المؤثر، يستقطب الغير.. العالم كله يتجه لذلك كأساس لإدارة الدولة ولإنتقال السلطة بعمليات سلسة..
ظهر (ترامب) وكأنه على خشبة المسرح!.. يستسهل كل شيء صعب.. جاء من السوق يعد بالرخاء والآن إلى غزو الفضاء ووعد جديد!.. لقد بدأ يتردد أن سيرة القادة يعززها شيء من دراما، من حركة تجاه المواطن، لحظة لماحة، موقف تلقائي، حب الناس والتحلي بطرائفهم..
ومن الطرائف مقطع درامي متداول منذ سقوط رئيس عربي كان قد (أخلص له النصح مبكرا) وبمنتهى الذكاء درامي سوداني.. لكنه ذهب بطريقة يقال إنها (دراماتيكية).. ترك العالم كله(يتفرج)!.
0.. ودراما الإستديوهات:
التلفزيون يوم أصبح (فضائية) تلقى إقتراحا بإجراء دورة تدريبية في الدراما لمقدمي الأخبار!.. صاحب الإقتراح مدير الدراما بالتلفزيون وقتها الأستاذ عماد الدين إبراهيم، عليه رحمة الله.. صادفت مذيعا يتبسم معقبا (أصلحوا وضعنا، وحدنا نتحرك)!. أتذكر ذلك كلما شاهدت استديوهات الفضائيات وقد حُوِلَت لمسارح تضج بفنون الدراما وحوارات تحسمها ملامح الوجوه و(وضع المذيع)!.. ليت فكرة التأثير في الغير (من أول نظرة) تصبح (ثقافة عامة) وفق رؤية وسناريو وكلام مؤثر يجبر الخاطر.. التَّجَهُم لا يرحم، ليس الحرب وحدها.