إستعادة مدني و مرحلة أفتراق الطرق
بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن القيمة المعنوية و الأخلاقية و السياسية التي أظهرتها إستعادت ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة ليست الانتصار على الميليشيا و دحرها و أبعادها من المدنية و لكن القيمة تتمثل في الخروج الجماهيري العريض في أغلبية ولايات و مدن السودان في تناغم كامل، و هم يهتفون بشعار ” شعب واحد جيش واحد” هذا الشعار الذي أظهر فرح تحالف الشعب العريض مع قواته المسلحة و بقية المكونات العسكرية الأخرى، و شكل اللحمة بين مكونات السودان المختلفة الذين خرجوا جماعات مندفعين نحو الشوارع إحتفالا برجوع مدينة أقليم الجزيرة.. مدني؛ التي شكلت قلب السودان النابض، و التي لعبت دورا تاريخيا مهما و مقدرافي تشكيل الأدوات التي ساهمت في الوعي السياسي في البلاد، حيث منها جاءت الدعوة لتشكيل مؤتمر الخريجين، الذي تعلمت فيه عناصر الطبقة الوسطى الناشئة حديثا ألف باء السياسية و الممارسة الديمقراطية..
أن انتصار الجيش و كل المكونات العسكرية التي تعمل بإمرته إلي جانب المستنفرين و المقاومة الشعبية في معركة أقليم الجزيرة، هو ليس انتصارا لمعركة و استعادة مدينة، أنما هو انتصارا لمشروع سياسي على ضوئه سوف يتشكل سودان المستقبل، و أيضا هو مشروع يبدأ مسيرته أن شاء الله بانتصار على الميليشيا في كل أقاليم السودان، لكي يتجاوز بها خطابات الكراهية و الجهوية و المناطقية، لآن الحرب قد تجاوزت هذه الدعوات عندما روت دماء المقاتلين أرض وطنهم الطاهرة، و لا تفرق بينهم من حيث العشائرية و المناطقية إلا من رفض.. أننا نثق أن انتصار الجيش مسألة حتمية، حتى إذا طالت الفترة الزمنية، و لكن أيضا متأكدين أن الحرب سوف تخلق واقعا جديدا في البلاد.. و أن أنتصار الجيش سوف يبرز قيادات جديدة تخلقت في رحم المعاناة من خلال زخات الرصاص و ازيز الطائرات و انفجارات طلقات المدافع، هؤلاء الشباب الذين خاضوا المعارك في مناطق السودان المختلفة ضد الميليشيا و اتباعها و الداعمين لها من دول الجوار و الأمارات هم وحدهم الذين تتجسد فيهم مسؤولية بناء السودان لأنهم يقدمون الوطن و المواطن على مصالحهم الشخصية..
أن الانتصار في المعارك ضد الميليشيا هي بداية لمراحل جديدة قادمة تعزز وحدة الوطن و أمنه و استقراره و نهضته.. هي أيضا تحتاج إلي طريقة جديدة في التفكير، بهدف تقديم تصورات و أفكار تهدف إلي البناء في كل جوانبه.. كما ما هو معلوم من تاريخ الشعوب أن الذين يقفون في الحياد في معارك الوطن و الحفاظ على استقلاله و سيادته هي مواقف لا تبعد صاحبها عن مواقف الذين يقاتلون ضده و الذين يتم توظيفهم من أجل خدمة الأجندة الأجنبية.. أما الذين درجوا في خطابهم باستخدام مصطلح الطرفين هؤلاء هم يحاولون أن يغطوا بها على مواقفهم الحقيقية الداعمة للميليشيا.. أما أولئك الذين يعتقدون أن الجيش يريد فقط انتصارات لكي يعزز بها موقفه التفاضي، هؤلاء مايزالون يعتقدون أن التفاوض سوف يعيدهم للساحة السياسية مرة أخرى.. و أيضا هؤلاء مصرين قراءة الواقع بافتراضات زائفة لا تمت للواقع بصلة.. أن الجيش متمسك و عازم على أن يكون التلاحم بينه و الشعب قويا لذلك لن يتردد في إكمال مشروع هزيمة الميليشيا، و إحباط المؤامرات الخارجية على الوطن..
و هناك الذين يحاولون التشكيك في أن أغلبية الشعب تقف مع الجيش، و هؤلاء هم الذين يتمسكون بوجوب هزيمة الميليشيا، و إغلاق الطرق المؤدية للساحتين العسكرية و السياسية أمامها تماما.. و هي لا تتم إلا بالهزيمة أو الاستسلام.. هؤلاء هل أصاب اعينهم الرمد، و الجماهير تخرج من كل فج عميق في أغلبية مدن السودان فرحة و مؤيد للجيش.. و على هؤلاء أن يتوجهوا إلي الجماهير و يطالبونها بتغيير موقفها، إذا كانوا بالفعل ينطلقون من قناعة راسخة لرؤيتهم.. أن الحرب بالفعل قد غيرت كل المعادلات السياسية في البلاد، و أيضا القناعات القائمة على زيف المعلومات، و التحليلات الخاطئة.. أن الجماهير دائما تغير قناعاتها خدمة لمصلحة الوطن و مصالحها، و أيضا لها القدرة على التمييز بين الغث و السمين، لذلك هي قادرة على استيعاب المتغيرات..
نعرف : أن الحرب ماتزال مستمرة، و هزيمة الميليشيا تحتاج لوقت، إذا كان ذلك في ما بقى من أرض الجزيرة، أو ولاية الخرطوم و كردفان إضافة إلي دارفور، و ليس هناك خيارا غير المواصلة و تحرير الأجزاء المتبقية من ولاية الجزيرة و ولاية الخرطوم، و الانتصارات قد رفعت الروح المعنوية عند المقاتلين، و التي تؤكد أن الميليشيا تواجه حالة من الانكسار الكبير، و معلوم أن حرب المرجفون و المحزلون ماتزال مستمرة، لكن بإلإرادة و العزيمة و إصرار الشباب المقاتلين سوف يصنع نصرا كل يوم.. أن هزيمة الميليشيا هي الهدف الذي أشارت إليه جماهير المواطنين في شعاراتها عند استقبالها لقوات الجيش و القوات المقاتلة الأخرى، و الجيش أصبح مصرا على تحقيق الهدف ” سودان خالي من الميليشيا” الهدف الذي يضع القاعدة للجمهورية الثانية في البلاد… نسأل الله حسن البصيرة..