آلاء الحسين تكتب: حوار قحت والبرهان.. أشبه بحوار الطُرشان
لا يجوز أن نطلق عليه حوار الطرشان، لأن الطرفان يسمع ولكن ما فائدة السمع بلا إنصات، أو النظر بلا تبصُّر أو بصيرة.
وهذا طبيعي ومتوقع من قُحت منذ نشأتها، فقد لملمت نفسها لتركب على الثورة وتخدع الثوار، لأنها ظلت مرتاحة تراقب الأوضاع والثوار يجاهدون ترسانة النظام السابق ويقدمون الشهيد تلو الشهيد والجريح تلو الجريح.
حتى إذا سقط النظام كانت قحت مثل اللاعب البديل على دكة الاحتياطي، ينعم بالراحة بينما زملاؤه يتصببون عرقاً وتصعد أنفاسهم رهقاً، فدخلوا إلى الميدان بعد نهاية المباراة واستولوا على النتيجة وجيروها لصالحهم.
وحتى تجمع المهنيين لا يقل انتهازية عن قُحت، حيث هناك قاعدة تقول إن أي قوة تتشكل بعد قيام الثورة إنما هي قوة انتهازية ولو ظهرت بأهداف نبيلة، حيث كان واضحاً أن التجمع كان يريد اللحاق بالثورة ويشكل حاضنتها قبل أن يستولي عليها غيره، ولكن الجلباب كان أوسع منه أو بالأحرى من القيادة الانتهازية عديمة الخبرة والتي سرعان ما دب الخلاف بينهم وأصبحوا يتلاومون ويتبادلون التهم، فابتلعتهم قحت.
فشتان ما بينهم وبين جبهة الهيئات في أكتوبر 1964، برئاسة الدكتور جعفر كرار يرحمه الله، أو التجمُع النقابي في ابريل 1985، فقد بدأت بذرته الأولى 1978، مع إضراب المعلمين، أي قبل سبع سنوات من اندلاع الانتفاضة، على الرغم من أنه لم يسلم من بعض الانتهازيين.
إذن ليس غريباً ألا تلتقي قحت التي تمثل حفنة من الانتهازيين، مع الفريق البرهان ورفقاؤه الذين يمثلون جيش البلاد القومي، فالخلاف بينهما ليس اختلاف مقدار وإنما اختلاف نوع وتوجهات.
فالبرهان ورفاقه يعلمون أنهم يقومون بواجبهم الدستوري والأخلاقي بحماية الكل، وخلق تكافؤ الفرص لكل أبناء الشعب السوداني “إلا الذين ظلموا منهم” فالشعب عند الجيش سواسية، أما عند القحاتة يريدون أن يستأثروا بالكعكة كلها وعلى الدوام ولذلك تزداد الشقة بعداً بينهم وبين الجيش يوماً بعد يوم.
ولنستعرض هنا بعض نقاط الخلاف، فالجيش يتعامل بقوميته وسودانيته ووطنيته، يريد اشراك جميع القوى السياسية والمجتمعية وقوى الثورة في اتخاذ القرار ، عدا حزب الموتمر الوطني المحظور ، لأنه ينشد الاستقرار ليعود لواجباته الأساسية التي ليس من بينها ممارسة الحكم وساس يسوس.
أما هذه القِلة القليلة مما يسمى بقوى الحرية والتغيير، هذا الاسم الكبير المنتفخ كالبالون فهو في الحقيقة بعض من حزب البعث المنشق، وحزب الامة القومي الذي لايمت إلى القومية بصلة، والظاهرة الصوتية الحلقومية المسماة بالتجمع الاتحادي، والاتحاد منه براءه، هذا بالإضافة إلى هذه الشلة من الأغرار ، لمنتسبي المؤتمر السوداني، الذين مبلغ علمهم من السياسة، لم يتعد أركان النقاش في المدارس، ويديرون الشأن السياسي الوطني على خطورته بعقلية النشطاء.
والنقطة الجوهرية الثانية، أن الجيش وعلى قيادة البرهان يريد أن يقود سفينة الوطن هذه وسط هذا البحر الملاطم الأمواج، إلى بر الأمان، فلا تغرق في بحر من الفتن والخلافات، وهو يعلم تماماً أن السهم سيرتد إليه في النهاية إذا حدث ذلك لا قدر الله، فهؤلاء القحاتة غير أهل للمسؤولية، فسيخربونها ثم ينفضون، خاصة وأن معظمهم مناديب بجوازات أجنبية ينفذون أجندات الذين يدفعون الدولارات والامتيازات، وتذاكر السفر للهروب متى ما استدعى الأمر.
وسيواجه الجيش الامر الواقع وعليه أن يتصدى له، ولذلك دعوته إلى حكومة منتخبة تمثل بالنسبة له صمام الأمان، أن يكون الحكم بأيدي من اختارهم الشعب بإرادته الحرة.
وهذا لا يتأتَّى إلا من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة وشفافة، تنفثئ فيها هذه البالونات المنفوخة، وتتلاشى إلى اللاشيء، ولذلك هذه القحت لا تطيق سيرة الانتخابات.
ويمثل صندوق الاقتراع لها بعبعاً مخيفاً، لأنها تعلم تماماً أن هذا الصندوق لن يأتي بها إلى سدة السلطة مرة أخرى، وستضيع كل هذه الامتيازات، وسينفطم هذا الفم الذي رضع المال السُحت من أفواه الجوعى والمعوذين “أول مرة انتبه إلى أن كلمتي “سُحْتْ وقُحْتْ” أنهما بنات عم، موسيقاهما واحدة.
أما مفوضية الفساد والمجلس التشريعي فأبعد ما يكون من تفكير قحت، فهي تريد أن تلهي الناس بلجنة إزالة التمكين، القائمة على الحقد والتشفِّي وتصفية الحسابات، مستغلة الغبن الذي تراكم في نفوس المظلومين طوال العقود الماضية.
أما المجلس التشريعي فهو يعني الرقابة على الفشل والتجاوزات، وهو أمر لا يمكن أن يكون من خيارات قحت، بل العكس تماماً فهي تسعى بكل أدواتها من النشطاء وجراد الأسافير في وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، لاستلام السيادة بالكامل ليخلو لها الجو وتفصِّل بعد ذلك السلطة على مقاسها، والبقية من الشعب السوداني “تاكل نيم أو قرض” لا فرق.
سيدي الرئيس هذا الحوار لن يذهب إلى أي مكان ولن يصل إلى أي غاية، فطريقاكما مختلفان، فحال الجيش أشبه بحال الرجل من قوم موسى الذي آمن وكتم إيمانه ووردت سيرته في سورة غافر “وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ”، إلى أن قال “وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ”.
سيدي الرئيس إنكم تدعونهم إلى النجاة ويدعونكم إلى النار، فتوكل على الله العزيز الغفَّار، وانحاز إلى الشعب وقم بقيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان، كما كان الانحياز الجهير إلى الشعب وثورته قبل ان تسطو عليها قحت بليل.
Comments are closed.