الزين صالح يكتب: النخبة السودانية ومآلات البناء الوطني
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
يقول المفكر اللبناني الدكتور علي حرب في كتابه “أسئلة الحقيقة ورهانات الفكر” يقول عن الديمقراطية “أن الديمقراطية ليست شيئاً يكتسب في صورة نهائية، أنما هي سيرورة أو عملية بناء لا يتوقف.
وهي لا تقتبس مجرد اقتباس، إنها ابتكار ولا يمكن تطبيقها إلا على نحو مبتكر وهذا تحدٍ يواجهنا إنه تحدي ثقافي، لآن الثقافة هي فن صنع الحياة، بما في ذلك الحياة السياسية”.
أن النخبة السودانية عجزت أن تتخطى مصطلح الدكتور منصور خالد “النخبة السودانية وإدمان الفشل” وفشلت أن تمد بصرها أبعد من مصالحها الخاصة والحزبية، هي دائما تحاول أن تضيق الواسع، ولا تستطيع أن تنظر للوطن الواسع الكبير إلا من خلال منظارها الضيق مصالح ذاتية، لذلك عندها طاقة وقدرة في أجهاض الأحلام الكبيرة، أجهضت ثورة أكتوبر ثم أنتفاضة إبريل واليوم هي تحاول إجهاض ثورة ديسمبر العظيمة، مما يدل على حالة العجز المركبة فيها تنظيميا وفكريا.
يقول رئيس الوزراء حمدوك في خطابه الأخير (ورسالتنا لكل أطراف السلطة الانتقالية، إن الأوطان لا تبنى بالحزازات الشخصية والانفعالات العابرة، بل تبنى باحترام القوانين والمؤسسية وتقديم التنازلات من أجل خلق أرضيات مشتركة مع الآخرين تمكننا من العمل معاً لبناء الوطن وتحقيق الاستقرار)، كل الخلافات الجارية الآن بين النخبة السودانية والعسكريين هي خلافات لا تمت للوطن بصلة، تحكمها المنافع الخاصة والاحتفاظ بالمواقع الوظيفية، الكل يريد أن يكون هو المسيطر على السلطة، وهؤلاء جميعا لا يرغبون في انتخابات ورد القرار للشعب.
الغريب في الأمر أن كل القوى السياسية قد فشلت في تقديم مشروعات سياسية لبناء الوطن، أو كيف تتم عملية التحول الديمقراطي، وعجزت أن تشكل المؤسسات التي يعتمد عليها الحكم الديمقراطي “خاصة المفوضيات العدلية والمحكمة الدستورية ومفوضية السلام والانتخابات والإحصاء السكاني وغيرها”، لأنها كانت تعتقد أنها سوف تحكم أكثر من عشر سنوات وأن تمد الفترة الانتقالية كما تشاء، لكن إيجابية هذه الأزمة جعلت الكل يحاول أن يتحدث عن الانتخابات القادمة وتحديد فترتها الزمنية.
أن الأزمات دائما تفضح قدرات القيادات السياسية، خاصة في إدارة الأزمة، التي تتطلب حكمة ورجاحة العقل ودائما النخبة السياسية يضيق صدرها وسريعة الانفعال، لذلك الأغلبية تخسر معاركها، وحتى تخسر على موائد التفاوض، هي نخبة مأزومة ولا تعترف بأزمتها حتى تستطيع أن تخرج من الشرنقة التي جعلت نفسها داخلها، وكما يقول المثل الشائع “أن صاحب الحاجة أرعن” أي يفقد قدرته على التفكير.
النخبة السودانية تعرف أن تحيك الشعارات وتزوقها ولكن تعجز أن تنزلها للواقع لأنها لا تؤمن بها خاصة الأمر الذي يتعلق بالديمقراطية، نخبة تعرف أن تجهض المؤسس ولا تعرف أن تبني المدمر لأنها تعلمت أن تأخذ ولا تعطي، الكل حامل شروط لكي يلزم بها الأخر وهو نفسه لا يلتزم بها.
كان الأمل المعقود أن ثورة ديسمبر 2019م تخرج البلاد من حالة الضيق الذي عاشت فيه سنين عددا ولكنها وجدت نفسها محكومة أن تتقبل حياة اشد ضيقا ومعاناة من سابقتها وكل ذلك بفضل نخبة محصورة التفكير في مواعين خاصة، والسؤال متى تستطيع هذه النخبة أن تمد بصرها نحو الأفق حتى تستطيع أن تفكر خارج حاجاتها الخاصة وتنطلق نحو الفضاء الواسع.
نسأل الله حسن البصيرة
Comments are closed.