(أما قبل) الصادق الرزيقي: صورة مقربة لملهاة نيروبي
صورة مقربة لملهاة نيروبي
كل تلك الوجوه التي تسلقت سيقان البلاهة العجفاء اليوم في نيروبي ، جاءت لتكتب شهادة وفاة لمشروع بائس ، قميء الملامح ، باهت الوجه ، صفيق الجبين ، إبرز ما فيه إصفرار الموت.
لقد جمعوا له أصحاب العاهات السياسية ـ الصدئة ونفايات الاحزاب المنبوذة ، وقطاع الطرق و السابلة الهائمون علي درب السياسة اللزج بوحله وطينه وروثه وقاذوراته والدماء.
جاءت وجوه أياديها ملطخة بالعار ، تمتد الأظافر كالخناجر ، وتلتقي الحوافر بالسوافر بالنصال.
تقطر من دم النساء والأطفال
جاءوا ولم تزل محاجرهم وأصابعهم وأكفهم السفلي ، تقطر من دم النساء والأطفال والرجال والشيوخ من اهل بلادنا ،
من ضحايا حربهم الملعونة ، ألم ترهم يتلفتون وهم بالقاعة البكماء في وجل وخوف وإرتعاش.
أرواح البسطاء الضحايا والشهداء في الفاشر والقطينة وود النورة ومعسكر زمزم وكل مكان نازف ،
تلاحقهم تركض خلفهم ، و تمد حبالها المنسوجة من الدم المسفوح حول رقابهم المغموسة في الذل والمال الحرام.
وتغوص أرجلهم في قعر الخيانة المعتم.. لتدوس وجوههم الخائبة المرتعدة سنابك النصر المتوالي لجيشنا اباسل في مسارح العمليات كل صبح ومساء .
تجمعوا في نيروبي كبغاث الطير ، تكاد تقفز قلوبهم من بين أضلعهم وهم يتصنعون الإبتسامات الخادعة اللئيمة ، في القاعة المزخرفة.
يشعرون في دواخلهم الخواء أنهم داخل قفص حديدي مزركش ، أحاطتهم المليشيا بجراب مالها وقبله بحرابها المسننة المدببة.
جلسوا كالببغاوات الثرثارات يحملقون في السقف المزين بالهزيمة ،
ويرددون نشيد الإنشاد تملقاً و تقرباً زلفي لقادة المليشيا ، وصديد الخيانة يلامس الأنوف والشفاه الذاهلة الذابلة..
شاهدنا الحلو.. يحمل عاره الأبدي.. يدخل القاعة كالملدوغ ،
قبض الثمن ولم يقبض الوطن ، ضاعت نظراته التائهة بين ضحاياه وهزائمه وأحلامه المهيضة الجناح منذ تمرده الأول وسيره في ركاب قرنق .
فهو لم يحقق شيئاً وقد أفني عمره متمرداً مدحوراً يسكن كالخفافيش بين صلد الصخور ،
فبالامس إتكأ علي عكازة المليشيا اليابسة، أقعي أمام مصاصي الدماء.
وظن غافلاً أنه سيجده في مكب النفايات
ينشد مجداً لا يأتي ابداً ،و لم يصنعه يوماً، فتوهمه بالأمس وظن غافلاً أنه سيجده في مكب النفايات ذاك،
وسيصعد به من سفح الخيبة ، فإذا به يدخل أحشاء الأفعي الشرهة.
وجاءت حفنة من تراب السياسة النجس ، يتامي مطرودين من أحزابهم وحركاتهم ،
فضل الله برمة ناصر ، جاء فقط ليدنس ثياباً ما كانت تليق به أبداً.
ثوب الجندية السابق، وجلباب حزب الامة الذي صنع الاستقلال لدولة 56 ،
فألقي بالثوبين وبنفسه في نار المليشيا غير المقدسة، كما الفراشة العمياء فأحرق تاريخ الثوبين وأحترق..
وإختار قادة الحركات السابقة (الهادي ادريس – الطاهر حجر – سليمان صندل) المشي خلف جنازة الوطن القتيل.
حملوا هزائمهم وهواجسهم وأحلامهم الحرام ، وتقيأوا مراراتهم وسخام نفوسهم.
وربطوا أياديهم و أعناقهم بخيط مغموس في صبغة الذل ، فنبحوا كثيراً وهم يسيرون خلف قافلة المليشيا.
وعلت وجوههم أكداس من الغبار والسعال والحسرة وقلة الحيلة والطمع ، واهاليهم يقتلون ويذبحون ويقصفون ، فبئس الخيانة وبئس المسعي المقيت.
وأختار سليل المراغنة ، أن توضع علي ظهره بردعة المليشيا المتمردة ، جعلوا علي فمه خطاماً كخطام البعير.
وزينوه بزينة برّاقة من الزيف والكذب والخداع ، وما دروا أن كان بالفعل بعيراً أجرب عندما لفظه حزبه وعافه رهطه.
فنال بجدارة لقب الأخرق المستغفل اليتيم ، فقد رضي لنفسه أن يكون ذيلاً.. فكان.. وكم في السياسة من ديوث..
لا يمثلون شيئاً غير أنهم زينة
بعض رموز القبائل علي قلتهم ، لا يمثلون شيئاً غير أنهم زينة وضعوها لتجميل القاعة ، جلابيبهم الباهتة كمواقفهم مثل قشور الخديعة.
تبرق عيونهم من فرط الحيرة ، تناسلت في جنباتهم إنكسارات المواقف الهشة المهلكة ، وهم يخونون وطناً أعطاهم كل شيء.
فخانوه عندما لهثوا وراء الدرهم والدينار ، وحال بينهم وبين الوطن الموج الكاسر ،
فلا شيء يعصمهم من الغرق في مستنقع المليشيا الحمضي المتلاطم.
رأهم الناس بالأمس و لم تبق في الوجوه مزعة لحم…
أما الشرفاء من قيادات الإدارة الاهلية وقيادات قبائل السودان العفيفة الشريفة ، فقد ركلت دعوات المليشيا وجفان دولة الامارات وهباتها ومالها.
فحافظوا علي الإرث والتاريخ والإسم ولم يرضوا أن يتلوث، رفضوا الدعوة وقاطعوا ، أما من ذهبوا إلي نيروبي فقد ذهبوا مع الريح.
بقية الزعانف السياسية والناشطين ، لم نعرف أكثرهم ، لأنهم مجرد أصفار لا قيمة لها في حساب العمل العام.
وجوه لم يشاهدها من قبل أحد ، غوغاء ملأوا بهم االمكان ، تراصوا كأحجار الأرصفة ، فرحين ما وجدوا في الطقس الكرنفالي البئيس.
يتصايحون كأنهم في مركب ضائع ، الملح في حلوقهم التي شرخت من الهتاف اللعين،
يعبدون عجل السامري الإماراتي الحنيذ
والسأم في عيونهم التي لم تر أفقاً في السماء ولا درباً يفضي للوطن.
فحاروا في صحراء التيه ، وهم يعبدون عجل السامري الإماراتي الحنيذ .
اما النور حمد ونصر الدين عبد الباري ومحمد حسن التعايشي وبقية الناشطين ، فلا شأن لنا بهم فهم يخرجون بلا أجنحة من جيفة التمرد المدحورة.
جاءوا من الفراغ وإليه سيعودوا ، فالضرب علي الميت حرام ..
و أخيراً …
كل الذين حضروا.. كانوا يحلمون بحدث إحتفالي يرتدي عباءة مخططة بخيوط من ذهب .
فإذا بهم و إحتفالهم عرايا من كل قيمة ، فسيعودوا خلال أيام ، كلٌ إلي مكانه ومهجعه.
فمن كان في المرابض عاد لها وواصل النباح، ومن مرقده المزابل هجع إليها يهش عن وجهه الذباب.
ومن حرفته الإرتزاق تعلم فناً من فنون التسول ، ومن صنعته الإنتظار فلينتظر مع السراب.. فوفاض المليشيا خاو.