الانحراف يبدأ من أعلى و حقائق يجب ان تقال
الانحراف والتهاون في بعض الأمور يقود إلى مآلات لا يمكن تداركها، والمقال التالي الذي كتبه الأستاذ زين العابدين يكشف ذلك.
إن الفارق بين المرء الذي يفكر ويتعامل مع الظواهر الاجتماعية وغيرها من خلال أفكاره، ويمارس المنهج النقدي لكي يتبين خواصها واسباب وجودها.
ويطالب العامة أن يتعاملوا مع المطروح من القضايا السياسية والاجتماعية بوعي، ودون قبول أية ضغوط تمارس عليهم لقبول أراء لايقبلونها.
أما المرء الذي يعتمد على التعامل مع الظواهر من خلال الشعارات، هو الذي تيبس عقله، وعجز عن التفكير المنهجي.
ودائما يحاول البحث عبر المنهج التبريري أن يجد له شماعات لكي يعلق عليها اخطائه.
لذلك يطالب الآخرين أن يكونوا مثل قطيع الحيوانات ينفذون مايريده الراعي، أي أن يعطلوا عقولهم وينتظروا الراعي يفكر بديلا عنهم.
أنبرى العديد من المثقفين لنقد ما قاله عبدالرحيم دقلو وسط أتباعه.. وعبدالرحيم لم يقدم نفسه سياسيا، ولا مفكرا ولا كاريزمة.
عبدالرحيم مواطن عادي عاش في بيئة رعوية لها ثقافتها، جاءت به نخب سياسية لكي يلعب دورا في السياسية، حضوره نفسه في الساحة السياسية يبين حالة الضعف والعجز التي تعيشها النخب السياسية والمثقفة.
إذا كان في عهد الإنقاذ حيث النشأة، أو في الفترة الانتقالية التي برز فيها كنجم سياسي يتحدث فيها كقائد يتحدث في الشأن العام، ويوظف هؤلاء السياسيين والمثقفين لخدمته.
خطبة عبدالرحيم وسط مجموعته كشفت أن الرجل مايزال يحتفظ بعقلية الراعي، فكل مظاهر نعمة المال التي ظهرت عليه لم تغير في الرجل شيئا.
تحديات الحياة
فكلها قشور أية احتكاك بتحديات الحياة تبرز ثقافة الراعي، التي اعتقد أنه قد تخطاها وتجاوزها بالثياب التي أرتداها.
إن ظاهرة ميليشيا آل دقلو كانت امتحانا كبيرا للمجتمع السوداني، تتبين فيها الدرجة التي وصلت فيها حالة البؤس والخواء السياسي.
حتى قيادات الجيش الذين قبلوا أن توزع النياشين وعلامات الترقي في الوظائف العسكرية إلى قيادات الميليشيا.
وحتى إشارات “الأركان حرب” التي تعلق على لياقة بزاتهم العسكرية.. وهي إشارة تمنح بعد دراسة الأركان حرب وهي الدرجة العلمية “الماجستير في العلوم عسكرية” تساهلوا فيها.
وأصبحت تعلق على قمصان قيادات الميليشيات، هذه أكبر إساءة ونكسة تمر على المؤسسة العسكرية السودانية.
دون أن تعترض القيادات العسكرية وحتى المؤسسة العسكرية على تعليق قيادات الميليشيا في بزاتهم إشارات عسكرية لها مدلولاتها العلمية والعسكرية.
والغريب أن القيادات التي اعترضت على ذلك قد تم إقالتها.. الشعب هو الوحيد الذي كان واعيا لهذه الأخطاء الكبيرة، إذا كانت من السياسيين، أو من القيادات العسكرية.
الانحرافات العسكرية
لذلك أضاف على الوظيفة التي تعلق بها قيادات الميليشيا في بزاتها العسكرية كلمة “خلا” لكي يقلل من شأنهم وفي نفس الوقت يحفظ للمؤسسة العسكرية السودانية أحترامها العسكري والعلمي.
إن ظاهرة ميليشيا آل دقلو تبين حالة الضعف السياسي والاجتماعي التي كان يعيشها السودان، وانعكست على كل مؤسسات الدولة، وأولها المؤسسة العسكرية، والأحزاب السياسية، وغيرها من مؤسسات الدولة لأخرى.
والحرب يجب أن تكون الحد الفاصل بين فترتين.. فترة الفشل والعجز التي صاحبت النخب في نظم السياسية المختلفة، وحتى الفترة الانتقالية.
وفترة الحرب المستمرة التي أذاقت الشعب أشر الأفعال من قبل عناصر الميليشيا.
ممارسات الانحراف
وكلها دروس يجب أن تخضع للدراسة عبر منهج نقدي يطال كل الأخطاء والممارسات التي جعلت البلاد تنحرف إلى حرب تدمر فيها كل مؤسسات الدولة والبنية التحتية للدولة.
وفترة ما بعد الحرب التي تحتاج إلى تغيير كبير يتجاوز فشل الماضي.
للأسف أن السياسة في السودان أصبحت جاذبة للعناصر التي تبحث عن مصالحها ذاتية، والعناصر التي لا تملك أية مؤهلات علمية ولا خبرات إدارية، الأمر الذي كان سببا في ضعف الأحزاب السياسية.
حيث صعدت لقمتها عناصر غير كفؤة لا فكريا ولا تنظيميا.
وهي التي كانت سببا في ضعف أداء الأحزاب.. وأحزاب تجعل على قمتها قيادات لم تمارس السياسة في حياتها فقط لأنها من أسر تقبض على مفاصل الحزب.
ماذا تتوقع من هؤلاء غير أنهم سوف يستصحبوا معهم قيادات أقل كفاءة.. ماذا تتوقع من عناصر تخرجوا من الجامعات ولم يمارسوا أية وظيفة إدارية أو غيرها ويعينوا وزراء؟.
وعناصر تخرجوا من الجامعات وهاجروا ومنهم من كان خفيرا، وأخر فشل أن يكون مصححا في جريدة، وتضعهم في أعلى وظيفة في الدولة ماذا تتوقع من هؤلاء؟.
هؤلاء عندما يفقدوا وظائفهم لا يستطيعون الرجوع لأعمالهم القديمة، ولا احد يستطيع أن يوظفهم في وظائف تشريفية.
وليس أمامهم غير الركوع لكل من يوعدهم بأن يرجعهم إلي المقاعد التي كانوا عليها قبل 25 أكتوبر 2021م.
إن الأحزاب لا تستطيع النهوض من كبوتها إلا إذا تم تغيير حقيقي في القيادات التي تسيطر عليها.
أو أن يشرع قانون للأحزاب يمنع ترشيح العضو للقيادة أكثر من دورتين.. وبعض الأحزاب أن توقف عملية التفرغ السياسي حتى لا يصبح القيادي يدافع عن موقعه من أجل الأجرة التي يدفعها الحزب.
إن القيادات التي تأتي للعمل السياسي باعتباره وظيفة تسترزق منها، أو رافعة لها لوظائف هي لا تملك مؤهلاتها.
هؤلاء مشروع لانتهازيين ووصوليين ومتملقين، وتكريس للأمراض الاجتماعية التي تعيق أية تطور في الدولة.
إن البلاد في حاجة إلى كفاءات علمية وذات خبرات عالية في مجالها مشهود لها بالنزاهة والشفافية، تدير البلاد لفترة انتقالية طويلة لا تقل عن الخمس سنوات.
ومجلس تشريعي يتم انتخابه من قبل مجالس الأحياء صعودا للولاية، حتى تكون عضويته مسؤولة أمام الذين صعدوها، لأن الاختيار عبر السلطة سوف يكون ولاءهم للذين اختاروهم.
والانحرافات في مؤسسات الدولة المختلفة والمال العام والتهريب وغيره ينتشر عندما تكون السلطة العليا نفسها منحرفة.
وإذا توسمت القيادات العليا بالنزاهة والشفافية وحفظ المال العام لا يجروء أية شخص أن يمارس ذلك.. نسأل الله حسن البصيرة.
*بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
موقعنا: صحوة نيوز