أماني الطويل و التفكير ذو البعد الواحد
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
الإنسان ذو البعد الواحد الذي أشار إليه المفكر الأمريكي اليساري هربرت ماركوزا في كتابه الذي يحمل ذات الوصف ” الإنسان ذو البعد الواحد” حيث يعتقد ماركوزا؛ إن المجتمع الرأسمالي قد جعل الإنسان أستهلاكي، و لذلك هو لا يستطيع أن يرى الإبعاد الأخرى للرأسمالية، غير التي جعلته حبيس التفكير الاستهلاكي.. الأستاذة الدكتورة أماني الطويل مع خالص الاحترام لها، هي أيضا حبيسة التفكير الأحادي الذي لا يتعدى دور الجيش في السلطة، باعتباره هو المحرك الأساسي للعملية السياسية، و هذه النظرة ربما تخص مجتمعات بعينها منها مصر، و لكنها ليست رهينة للمجتمعات الأخرى.. و أماني الطويل بنت هذه الفكرة من خلال صراع الأخوان المسلمين مع السلطة و ليست مع القوى السياسية الأخرى.. بدأت مع عبد الناصر في منتصف خمسينيات القرن الماضي و مع السادات و حسني مبارك و شاركوا في سقوطه ثم مع منظمات المجتمع المدني، و تم حسمتها بأدوات السلطة من خلال أجهزتها العسكرية..
أن أغلبية النخب المصرية قد تغير تفكيرهم بعد ثورة يوليو 1952م، باعتبار أن الجيش حسم المعركة التي كانت ضد البلاط الملكي، و حكم الباشوات، و التدخلات الأجنبية، التي كان لها نفوذا كبيرا في ذلك النظام، فالجيش في مصر استطاع أن يقود ثورة سياسية و اجتماعية لتوزيع الأراضي على الفلاحيين، و عندما صنع النظام السياسي أبتكر فكرة ” الاتحاد الاشتراكي” التي كان عمودها الفقري قبائل اليسار من قوميين و ماركسيين إلي جانب الفئات الأخرى العمل و المزارعين و الحرفيين و المهنيين.. و السبب الرئيس للثورة في مصر 2011م هي فكرة التوريث التي حاول أن يطبقها حسني مبارك التي أثارت الشارع و خاصة النخب التي كانت تشكل العمود الفقري لعهد جمال عبد الناصر.. باعتبار أن الفكرة الناصرية تقوم على أساس أن الدولة هي التي يقع عليها عبء النهضة و التغيير في مصر لذلك أعتنى الناصرية بالإعلام و تعدد مؤسسات النشر.. و هي ذات الفكرة المؤمن بها الرئيس عبد الفتاح السياسي، و الرجوع إلي الناصرية الأولى..
أماني الطويل تحاول أن تقرأ واقع السوان من خلال هذه الرؤية التاريخية السياسية المصرية.. رغم أن البناء السياسي التاريخي في السودان يختلف عن مصر.. باعتبار أن الأحزاب هي التي استطاعت أن تحدث التغيير في السودان، و هي التي قادت النضال ضد الاستعمار و نجحت في تحقيق الاستقلال.. و هي أيضا التي مهدت للجيش أن يدخل حلبة السياسة في السودان، و هي التي استطاعت أن تعبيء الشارع ضد النظم الشمولية، لكن استطاعت التخلص منها بمساعدة القوات المسلحة..
قالت الدكتورة أماني الطويل لقناة “الجزيرة مباشر” (أن مصر تراهن على الجيش في تحجيم دور الأخوان المسلمين في السودان في ضوء انقسام الجبهة الإسلامية القومية و ضعفها على المستوى نتيجة الثورة التي اندلعت ضدها في 2018م و رفض الشعب السوداني لحكم الأخوان) أن رؤية الطويل أن يلعب الجيش الدور السياسي بدلا عن القوى السياسية في عملية التغيير، حتى إذا كان تصفية قوى سياسية بالقمع، هي تعد نقطة الخلاف الجوهرية بين مخيلة أماني الطويل، و المخيلة السياسية في السودان، لآن نظام الإنقاذ أسقطته الجماهير من خلال ثورة ديسمبر بمساعدة المؤسسة العسكرية، و بالتالي الصراع مع الإسلاميين هو صراع سياسي الأفضل أن تحسمه الجماهير من خلال صناديق الاقتراع، باعتبار أن القوى السياسية السودانية تتطلع إلي التحول الديمقراطي، و أدواته ليست القمع أنما الانتخابات و تطبيق القوانين.. إذا كانت أماني الطويل تبني قناعاتها السياسية في عملية التغيير في السودان من خلال أن يكون للجيش دورا كبيرا في العملية، فهي تراهن على العملية القمعية.. هذه تختلف عن القناعات السودانية المتطلعة للديمقراطية، أن تتم أية عملية بالأدوات الديمقراطية و القانون الذي يحكمها..
أن أختلاف طرق التفكير بالضرورة سوف تعطي نتائج مختلفة.. ربما تكون قبائل اليسار في السودان تتفق مع أماني الطويل، باعتبارها من ذات المنبت السياسي، و طريقة التفكير التي تتجاوز الجماهير إلي الأدوات القمعية، و لكن قبائل اليسار في السودان تحاول أن تجد لها تخفيفا فتسميها ” الأدوات الثورية” و هي أدوات ليس لها علاقة مطلقا ب ” الديمقراطية”.. أن ثورة ديسمبر 2018م لم تسقط نظام الإنقاذ فقط، بل كشفت للشعب عورة الأحزاب السياسية السودانية، التي عجزت أن تدير الإزمة بالصورة التي تخرج البلاد إلي بر الأمان، و السبب أنها جاءت بناشطين سياسيين كانت عندهم شهوة السلطة أكبر من عملية التغيير و البناء لمستقبل البلاد، ضعف السلطة و شهوة السياسيين لها، هي التي سمحت بفتح العديد من مكاتب المخابرات الأجنبية في البلاد، و التي استطاعت أن تمد أنوفها في الشأن السياسي الداخلي، مما ساعد على إشعال الحرب.. حيث وقف اليسار بعيدا يتفرج على الذي يجري في البلاد، لأنه فقد القدرة على العطا، و أكتشف أنه أصبح أضعف حلقة في الصراع السياسي، لذلك يتفاعل بيجابية مع أية دعوة لاستخدام القمع على القوى السياسية الأخرى..
أن الدكتورة أمانيي الطويل يجب أن تتذكر أن أختلاف الثقافات السياسية التي تكونت عبر التراكم الطويل للصراع، هي التي تحدد أدوات بين القوى السياسية فهي ليست متطابقة في البلدين ” السودان و مصر” لكن هذا لا يمنع أن تكون علاقة إسترايجية بين البلدين منفعة الشعبين.. و أيضا هناك علاقة نتجت عن الحرب بين الجيش و الشعب، و هذه العلاقة هي التي سوف ترسم شكل السودان الجديد و النظام السياسي القادم، لآن الحرب بينت أن السودان مستهدف من العديد من الدول في الإقليم و خارجهو بالتالي لابد أن تغيير في شكل الأجندة و ترتيب الأولويات.. و الشكر للدكتورة الطويل على إسهاماتها لأنها بالفعل تخلق حوارا و خلاف الرأي لا يفسد لود بين المتحاورين.. و نسأل الله حسن البصيرة..