الديمقراطية وتحديات العسكر في السودان

186

بقلم / زين العابدين صالح عبد الرحمن

أكد الشعب السوداني منذ ثورة سبتمبر 2013م و حتى ثورة 19 ديسمبر 2018م، و مرورا بكل المسيرات المليونية التي كان قد نفذها أنه مع “الدولة المدنية الديمقرطية” و لا يريد بديلا لها، و أن هذا الخيار يواجه بتحديات كبيرة داخليا و خارجيا، من قبل القوى ذات الثقافة الشمولية في الداخل، و من الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة التي لا ترغب بوجود أي نظام ديمقراطي يشكل لها تحديا.

و أخر التحديات الانقلاب الذي نفذته القوى العسكرية بقيادة القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان و الذي أطلق عليه حركة تصحيحية لمسار الثورة، في اعتقاد أن هناك خلافا داخل المكونات المدنية، رغم أن الديمقراطية تؤسس على صراع الأفكار و المشروعات السياسية، و لكنها تنظيم من خلال مواعين مؤسسية تجعل هذا الصراع يأخذ الطابع السلمي بعيدا عن استخدام أي أدوات للعنف، و القبول بالتبادل السلمي للسلطة في مواقيت محددة دستوريا، و أي خروج عن شروط الديمقراطية هو شروع في تأسيس نظام ديكتاتوري شمولي.

أن قبول البرهان و من معه بالحوار عبر وساطات داخلية و خارجية، كانت تشير أن العسكر لا يرفضون المراجعة أو المساومة في الفعل ضمن تنازلات من قبل الطرفين تسمح بالمسير مرة أخرى في طريق انجاز أهداف الفترة الانتقالية للوصول للنظام الديمقراطي المرتجى. لكن البرهان قطع هذا العشم بعد تشكيله مجلس السيادة.

فالذي يشكل مجلسا لوحده يستطيع أن يحله متى شاء ذلك، و في نفس الوقت يصبح ولاء عضويته للذي عينهم فيه، هؤلاء سوف يصبحون كتلة مدجنة ليس لها قرار و لا اعتراض، بل سوف يجيزون كل القرارات بالموافقة السكوتية التي ترضي صاحب السلطة.

أن أكبر تحدي تواجهه الديمقراطية في السودان هو عقل البندقية، الذي لا يؤمن بالحوار، و لا بالمشاركة في اتخاذ القرارات، و لا يؤمن بالسلطة المدنية في الدولة، و مثل هذا العقل يريد ديمقراطية صورية أحزاب مدجنة تقبل بالإملاءات التي تقدم لها، و تكون السلطة و القرارات بيد شخص واحد، يريد الكل يسبح بحمده، هذا العقل لا يستطيع أن يتحرر من الثقافة التي فرضها في قبضته على مفاصل السلطة لأكثر من ستين عاما عجافا. و يريدها أن تستمر، و هي الثقافة و السياسة التي أقعدت البلاد و جعلتها لا تستطيع أن تنهض. أن النهضة تعني الحرية لأنها تمثل قاعدة الإبداع. و النظم الشمولية تريد استمرار عبودية الإنسان.

قال البرهان تبريرا لفعل الانقلاب، أنهم يريدون تصحيح المسار لا نجاز أهداف الفترة الانتقالية لتفضي إلي انتخابات حرة و نزيهة، أي أن تشرع في تأسيس نظام ديمقراطي.

أن الديمقراطية لا تؤسس من خلال الانقلابات، أو بقوة السلاح، و فرض رآي على الناس، بل تؤسس من خلال الحوارات المفتوحة التي يشارك فيها الكل، و كلما ذات الخلافات بين المجموعات المتصارعة تمنح مزيدا من الديمقراطية، لآن البلاد في حاجة لثقافة ديمقراطية تنداح على الثقافة الشمولية، أي ثقافة عقل البندقية الذي مكث في الحكم لأكثر من نصف قرن، و يحقق غير الفشل تلو الفشل. أن الديمقراطية التي نريدها أن تؤسس علي شروط الديمقراطية أحترام المواثيق و أحترام الرآي الأخر، و أكتمال كل المؤسسات التي تخلق البنية الديمقراطية في المجتمع، و تجعل الكل مشارك في كل خطوة من خطوات البناء، ليس فردا واحدا أو مجموعة هي التي تقرر عن الكل في ظل غياب الانتخابات.

أن العقل الديمقراطي يقبل التراجع و المراجعة لأنه عقل مفتوح، عقل يؤسس على أن الحقيقة لا يمتلكها فردا واحدا أنما هي مشاركة، كل فرد يمتلك جزءا منها، أي أنها شيء نسبي، و النسبية لا تقبل فرض الرآي على الآخرين أنما الدخول معهم في حوار.

أن التضحيات التي قدمها شباب السودان منذ انقلاب الإنقاذ في يونيو 1989م حتى اليوم كانت من أجل الحرية و الديمقراطية، و هي تضحيات غالية، و مستعد أن يقدم مثلها في مسيرة الحرية الديمقراطية، لذلك علت قيمة هذا الشعب في عيون شعوب العالم و بات ينظرون إليه بفخر، بعد ما كان ينظر إليه كشعب من المشردين في انحاء العالم، و السودان بلد يطلب المعونات و الهبات، إلا أن شباب البلاد قد غير هذه النظر بسلمية ثورته، و أصبحوا مضرب مثلا للثورات الحرة. لماذا أيها العسكر تريدون أن تجعلوا انفسكم في الجانب المنهاض للثورة، و الذي يعمل مع بقية نظم المنطقة الديكتاتورية أن يرجعه مرة أخرى لعهد الخنوع و العبودية، نعلم كما قال نلسون ماندلا أن طريق الحرية طريق طويلا و محفوف بالمكاره و لا تسير فيه إلا الشعوب الحرة، و شعب السودان منها. نسأل الله لكم و لنا حسن البصيرة.

Comments are closed.