الزين صالح يكتب: من الذي يكمل أركان النصر للجماهير

98

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
اخطأ البرهان عندما جعل الانقلاب خياراً سياسياً لحسم الصراع السياسي في البلاد، لمجتمع يتطلع لعملية التحول الديمقراطي، التي لا تعتمد فقط على الشعارات التي تطلق في الهواء، أنما هي ممارسة محكومة بالمعرفة والوعي وتتطلب استخدام الأدوات الملائمة للعملية الديمقراطية، وفتح عشرات منافذ الحوار في المجتمع، خاصة أن البلاد في حاجة لإنتاج ثقافة ديمقراطية بديلة للثقافة الشمولية السائدة في المجتمع.

وأيضا اخطأ البرهان عندما قرر مواجهة المسيرات السلمية بالسلاح وبالقتل المقصود من خلال تركيز السلاح على الرأس والصدر للضحية، مما يؤكد أن سلطة الانقلاب هي التي اعطت التوجيهات أن يكون القتل وسيلة لتخويف الجماهير للخروج للشارع.

وهنا أيضا اخطأ البرهان للمرة الثالثة عندما اعتقد أن التخويف سوف يوقف حلم الجماهير التي وصلت لقناعة كاملة أن الانقلاب مرفوض وعودة العسكر لحكم البلاد سوف يكلف المجتمع مئات الألاف من الشهداء.

وإذا كان البرهان يعتقد أن التجارب التي حدثت في مجتمعات أخرى للردة عن السير في طريق الديمقراطية سوف تنجح في السودان يؤكد أنه يريد أن يحكم شعبا لا يعرف تاريخه النضالي.

أن الجماهير قد قدمت كل المطلوب أن تقدمه من أجل تحقيق أهداف الثورة، حيث قدمت مئات الشهداء من أجل الديمقراطية منذ ثورة ديسمبر 2018م حتى اليوم، وأثبتت بشجاعة وأقدام أن السلاح لا يثنيها عن مقاصدها، وتؤكد يوميا ان لا تنازل لا تراجع عن أهداف الثورة في تحقيق “الدولة المدنية الديمقراطية” المحكومة بشعار الثورة “حرية سلام وعدالة” وهي القاعدة التي يجب أن تؤسس عليها المشاريع السياسية للقوى السياسية وغيرها، وأي إنحراف عن القاعدة وممارسة أدوات لا تتلاءم مع الديمقراطية تشكل خيانة للثورة وشعاراتها.

هناك فارقاً كبيراً بين المبادئ وشعارات المناورة، أن المبادئ تجعل الأدوات التي تستخدمها في تحقيق الأهداف تكون ملائمة تماما مع المبادئ الديمقراطية، التى تجعل الحوار والاقناع وحده هو الوسيلة في حل المشكل، وفي المناورة دائما تفضل أدوات الميكافلية تتيح استخدام أي أدوات لتحقيق الأهداف، الأمر الذي يوقع أصحابها في أزمات أكثر تعقيداً، لذلك تجد أن شعارات البرهان التي أطلقها، بإنها ثورة تصحيحية بهدف إكمال شعارات الثورة “لعملية التحول الديمقراطي” وجعل أداتها الانقلاب العسكري واستخدام السلاح لتحقيق الهدف، يؤكد أن الهدف هو احتكار السلطة وليست علمية التحول الديمقراطي.

لكن خروج الشارع في مسيرات متواصلة قد جعل الانقلاب يقف في محطة واحدة حتى بعد تكوين مجلس السيادة، لآن شعارات الجماهير قد أربكت قادة الانقلاب وحتى المتحالفين معه، وإطلاق الرصاص بهذه الكثافة على المتظاهرين يكشف ضيق مساحات التكتيك عند الانقلابين والمناصرين لهم، وأن القتل دلالة على العجز وليس القوة، حيث أصبح الوسيلة الوحيدة عند الانقلابيين مما يؤكد أن مساحة المناورة قد ضاقت تماما، ولا تراجع عن تحقيق هدف الدولة المدنية الديمقراطية وأن طال السفر.

أن الانقلاب العسكري الذي قام به بالبرهان، والثمن الغالي الذي دفعته الجماهير للوقوف ضد الانقلاب، يؤكد أن العقل العسكري يجب عليه أن يراجع ذاته، وأن طريق الانقلابات أصبح ثقافة مرفوضة تماما في المجتمع السوداني، وأن الأجيال الجديدة ليست هي الأجيال السالفة هؤلاء يملكون قوة الإرادة، والأصرار على تحقيق الهدف، وهؤلاء أيضا مدركين لدورهم ومتمسكين بالعمل من أجل تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية.

وإذا كان العسكريون يقرأون الواقع بكل تناقضاته قراءة جيدة كانوا استفادوا من تجربة لجان المقاومة في موقفهم عندما انحرفت “قحت” عن طريق مسار الثورة ولهثت وراء المحاصصات ونسيت عملية التحول الديمقراطي، خرجت اللجان عليها واتهمتها ببيع الثورة، وأيضا خرجت على رئيس الوزراء، لتؤكد وعيها بالعملية السياسية، وعندما وقع الانقلاب تمسكت لجان المقاومة بالوثيقة الدستورية، وبالمكون المدني التزاماً بالوثيقة، وتأكيداً على ثقافة الديمقراطية، ولذلك لابد من الرجوع لمنطق العقل. ونسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.