الزين صالح يكتب: حمدوك وخيارات التحول الديمقراطي
بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن الشعب السوداني من خلال مسيراته المتعددة أكد على قاعدة أساسية هي “الدولة المدنية الديمقراطية” وأصبحت هي القاعدة التي يجب أن ينطلق منها كل فعل سياسي لكي يجعلها واقعا سياسيا اجتماعيا في البلاد.
وهذا الفعل السياسي يواجه تحديات كثيرة، بسبب اختلافات المرجعيات السياسية، وكل قوى تريد أن تؤسس هذه الدولة على الشروط التي تقدمها، الأمر الذي يخلق صراعاً جانبياً يعطل عملية التحول الديمقراطي، وفي نفس الوقت الثقافة المضادة للديمقراطية القائمة على ثقافة التخوين والاتهام، التي تبين محدودية الأفق السياسي.
أن واحدة من اعقد مشاكل الديمقراطية في السودان ضعف الثقافة الديمقراطية، وسيادة الثقافة الشمولية التي خلفها النظام السابق، وأيضا ضعف الأحزاب التي تعتبر من أهم مصادر إنتاج الثقافة السياسية، أي التي يقع عليها عبء إنتاج الثقافة الديمقراطية التي تشكل بديلاً للثقافة السائدة.
والمراقب السياسي يلاحظ أن هناك سيادة للشعارات الديمقراطية في الساحة، وفي نفس الوقت يلاحظ أيضا أن الممارسة تخالف تلك الشعارات، إذا كان ذلك من قبل الأحزاب وحتى من قبل الوسائل المساعدة ” الإعلام والصحافة” التي من المفترض أن تلعب دور الاستنارة في هذه الفترة التاريخية للتحول الديمقراطي، وأن تفتح الباب لكل تيارات الفكر في المجتمع أن تقدم أطروحاتها لبناء السودان الديمقراطي، خاصة أن الحوار سوف ينقل المجتمع من ممارسة العنف التي خلفها النظام، لثقافة القبول بالأخر الذي يمتلك جزء من الحقيقة الغائبة، لآن الهدف المطلوب تحقيقه هو تأسيس وتجذير الثقافة الديمقراطية في المجتمع، والحوار الذي ترفضه بعض القوى السياسية يعد أهم ركيزة للديمقراطية.
عندما خرج الشارع ضد نظام الإنقاذ قال شعاراً واحد “تسقط بس” التفت حوله كل الجماهير منتمية وغير منتمية وسقط النظام، وأردفته الجماهير بشعار “حرية سلام وعدالة” لكن ضعف الثقافة الديمقراطية في المجتمع، فشلت القوى السياسية التي كانت قابضة على زمام الفترة الانتقالية أن تحول هذا الشعار لواقع تدعمه المؤسسات الديمقراطية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية.
وهذا الذي عبر عنه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في مبادرته المسمى “الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال: الطريق إلى الأمام” بين فيها أن البلاد في حالة لمشروع سياسي يلتف حوله الجميع، ويشكل المرجعية السياسية للجميع في فترة الانتقال، والمعروف أن المشروع يجعل الكل يتنازل خلال هذه الفترة عن المصالح الحزبية والشخصية الضيقة لمصلحة الوطن، لأنه سوف يرتبط بعملية البناء والنهضة، وأيضا أشار إلي حالة الخلاف بين جميع المكونات المدنية والعسكرية، وجاء في المبادرة أن الخروج من الأزمة يجب العمل من أجل توسيع قاعدة المشاركة الاجتماعية والسياسية بهدف منع التوترات التي تصرف الناس عن عملية البناء، لكن للأسف أن المبادرة أجهضت من قبل بعض القوى للنظرة الاحتكارية الضيقة للعمل السياسي ورفضهم توسيع قاعدة المشاركة.
الغريب في الأمر: أن القوى السياسية، وحتى أغلبية النخب السياسية والمثقفين، يعلمون أن البيان الذي وقعه حمدوك مع البرهان لم يكتبه حمدوك، ولم يكتبه العسكر، بل كتب من قبل عناصر تنتمي للقوى السياسية، ومن ضمنهم رؤساء أحزاب في “قحت المجلس المركزي” ويعلمون أن هؤلاء هم الذين سلموا حمدوك البيان السياسي، وهناك من سلمه للعسكر، وكان الهدف من ذلك أحداث أختراق في الأزمة التي خلقها الانقلاب، وجعلها حمدوك فرصة يجب أن يغتنمها لإحداث اختراق للأزمة السياسية والانتقال لمربع جديد يسترجع فيه القرار للمدنيين، حمدوك استطاع أن يفكر خارج الصندوق رغم الحصار المضروب عليه، لكي يثبت أن رجاحة العقل ضرورة في مثل هذه التحولات السياسية المليئة بالتحديات.
قالت مريم الصادق وزيرة الخارجية السابقة والقيادية في حزب الأمة ” لقناة الجزيرة مباشر” أنها حضرت اجتماعاً في منزل رئيس حزب الأمة اللواء برمة ناصر، وأنها سمعت أن عدداً من رؤساء الأحزاب كان مشاركا في صياغة “البيان السياسي” لكنها قالت هؤلاء كانوا يمثلون أنفسهم “كيف رئيس حزب يشارك في عمل سياسي يكون يمثل نفسه”، المهم أن حمدوك وافق على التوقيع كما قال لثلاث أٍسباب، الأول أن يحقن سلسال الدم في البلاد الذي يجري، والثاني أن لا تضيع المكاسب الاقتصادية التي تحققت مع المجتمع الدولي ومنظماته، الثالث أن يعيد عجلة التحول الديمقراطي لمسارها الطبيعي لكي تتحقق الدولة المدنية الديمقراطية.
نجد أن المجتمع الدولي أيد الخطوة واعتبرها خطوة في طريق الحل، وأيضاً أيد الاتفاق رئيس بعثة الأمم المتحدة “يونيتامس” فولكر بيرتس الذي قال لقناة “الحدث العربية” أن الاتفاق قد جنب السودان إراقة الدماء والحرب كما يحدث في سوريا واليمن وليبيا، وفي نفس الوقت أعاد عملية التحول الديمقراطي لمسارها الطبيعي لكنها خطوة تحتاج لخطوات أخرى، وحمدوك بالفعل بعد توقيعه على البيان السياسي قد أحدث أختراقا في جسم الانقلاب العسكري، ويحتاج إلي افعال أخرى لكي يجعل الخطوة تسير في الطريق الصحيح دون معارضة من المكون العسكري.
لكن تصبح الأسئلة: هل حمدوك يستطيع الاستفادة من هذا الاختراق في تعزيز مسار الديمقراطية لكي يصبح واقعا سياسيا؟ وهل النخبة السياسية قادرة أن تتحول من الفعل السالب الذي يقف عند الإدانة والشجب “ثقافة العجز” إلي الفعل الإيجابي الداعم لعملية الاستفادة للاختراق؟ وهل النخب لديها خيارات أخرى؟ ولماذا لا تقدمها؟.
أن الاجابة على السؤال في ظل حالة الاحتقان الحاصلة الآن داخل النخب السياسية التي من المفترض أن تقود العملية السياسية يصبح صعبا، لآن الاختراق يحتاج أن تتكاتف النخب السياسية التي لها القدرة على تقديم المبادرات وطرح الأسئلة المطلوبة أن تدعم رئيس الوزراء في عملية التحول الديمقراطي، وتقدم كل ما تقدر عليه من البرامج والمبادرات وتجعلها اختبارا حقيقيا إذا كان الاختراق يستطيع أن يحدث تحولا مطلوبا أم أن هناك صعوبات حقيقية تواجهه، لكن الاكتفاء فقط بالإدانة والتخوين هو سلوك سلبي، يؤكد أن النخب التي تميل إليه لا تمتلك القدرة على الابتكار وصناعة المشروعات، وفي نفس الوقت كان عليها أن تجعل حالة اليقظة الموجودة في الشارع الآن داعمة لهذا الاختراق، ومتابعة لعملية التحول الديمقراطي، ورافضة تماما أي تدخل في مسار هذا العمل.
لكن السؤال أيضا هل النخب السياسية قادرة أن تفكر خارج الصندوق الذي تحاول بعض القوى أن ترغمهم بعدم التفكير خارجه لمصالح حزبية ضيقة؟، أن حمدوك تقدم خطوة أخرى إضافة للمبادرة التي كان قد قدمها قبل الانقلاب، واجهضتها قيادات المجلس المركزي لكنه الآن يحاول خارج دائرة الضغوط ومطلوب من النخبة السياسية والمثقفين أن يساعدوه على العبور وليس الوقوف على السياج.. نسأل الله حسن البصيرة.
Comments are closed.