عبدالكريم الكابلي.. ويجري مدمعي شعراً.. أنا أبكيك للذكرى

97

كتب: معتصم طه
اسلم الروح في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ثمانية وثمانين عاما الفنان عبدالكريم الكابلي، وتقول بعضاً من سيرته الذاتية، انه من مواليد بورتسودان ولاية البحر الأحمر عام 1932م.

والده عبدالعزيز محمد عبدالعزيز بن يوسف بن عبدالرحمن وتزوج بمدينة القلابات من صفية ابنة الشريف أحمد محمد نور زروق من أشراف مكة الذين هاجروا إلى المغرب ثم جاءوا للسودان لنشر الدعوة الإسلامية.

وقد قيل أيضا أن جده الكبير هاجر أولاً من مدينة كابول بباكستان الي مكة ثم عاد والد الكابلي إلى بورتسودان، وعمل الراحل المقيم بالجهاز القضائي موظفاً وعمل بمدينة مروي وكتب فيها “فيك يامروي شفت كل جديد.. عيون اتعبوني شديد” وغنى أيضا في ذات البقاع “ياللوري تشيل منو” وغنى لشاعر من القلعة بقرية القرير اسمه بلة “يا ناس القوز علينا ظلم شال السيدة وخلى حرم”.

وشكل مع الدوش ثنائية رائعة وظلت أغنية سعاد بنصها المسرحي وشخوصها وأداء الكابلي لها بدهشة تتأبى على النسيان، “بطل كلام الجرسة وانجض ياولد”
وغنى لمقرن النيلين التي حملها في حدقاته “يشيلك وسط عينيك.. يوديك مقرن النيلين.. يخضر فيك عقيد ياسمين.. وتقوم شتلة محنة مثااااال.. اريجة دعاش وحزمة وناااال.. قبال توتي ام خدارا شااال.. عيون ام در لبيت المااااال”.
وسافر بنا الي الملايو “عندما اعزف يا قلبي الاناشيد القديمة..
ويطل الفجر في قلبي على اجنح غيمة
ساغني اخر المقطع للارض الحميمة”،

وغنى لدول عدم الانحياز وابدى إعجابه بأم الدنيا “مصر يا اخت بلادي ياشقيقة” وردد أيضا “الوسيم القلبي راده وحياني بي ببسمة سكر سكر وحاة عيني سكر”، وضنين الوعد، وغني للمرأة انه صوتي انا، وليلة المولد ياسر الليالي.. التي ذكر فيها باسلوبه السهل الممتنع كيفية الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، وكتب عشرات الاوبريتات للوطن ان جاز التعريب للكلمة.

والان يرحل وتركنا نردد
ويجري مدمعي شعراً..

انا ابكيك للذكرى،

وهنا قصة نص استوقفني وكاتبها هو في شكل حوار مع ابنه وكان في ذاك الوقت عمره خمس اعوام ووجدتها في قوقل وهي عن مأساة الاطفال المستمره مع الحروب والمطامع بعنوان: لماذا
من كلمات وألحان د.عبدالكريم الكابلي
في العام 1982م.

ويقول الكابلي كان ابني محمد في الخامسة من عمره عندما فاجأني بسؤاله: “أبي لماذا يكرهنا الكبار، لماذا يقتلنا الكبار؟”، وعندما أستفسرته عما دعاه لذلك السؤال علمت منه بأنه قد رأى الكبار في التلفاز وهم يقومون بقتل الأطفال في مناطق متعددة من العالم، كان سؤاله موحياً فكتبت هذه الأغنية: بلا مقدمات في وضح النهار
سألني إبني الصغير لماذا يكرهنا الكبار؟
لماذا يقتلنا الكبار؟
سألته من أين جاء بالأخبار
أجاب في براءة من نشرة الأخبار
تلفازنا المحروس
تلفازنا العروس
الملوّن الطاؤوس
قد جاء بالأخبار
رأيت فيه يا أبي إخوتي الأطفال
رأيت فيه يا أبي إخوتي الصغار
من كافة الأقطار
أرجلهم مقطعّة
أذرعهم مقطعة
رقابهم مقطعّة
لالالا يا أبي
أنا لا أريد الإنتقال
أنا لا أريد الإرتحال
إلي بلد بلا آمال
إلى بلد بلا أجيال
إلى بلد بلا أطفال
وعادني دوار الإلتياع
من سائل يريدني إقناع
واحسرتي أنا بلا اقتناع
فالطفل رمز الطهر والسذاجة والدهشة الممدودة اللجاجة
حلواه قبل بعد كل حاجة
تلعابه وأمه مزاجه
لا يعرف التدليس والفجاجه
ولا لماذا أطفأو سراجه
يذبحه الأشرار كالدجاجه
عار لعمري عار أي عار
تخجل منه الشموس والأقمار
ويـحزن الأشعار والأوتار فتهجر الطيور للأوكار
لكنها الحياة ياصغار
يسطع من ديجورها النهار وفي غد ستشرق الأنوار
وتصبحون سادة الأقمار
حتماً ستغفرون للتتار
وتسخرون من حديث الثأر
ويحي من الكبار
ويحي من الصغار
الكبار الصغار
الصغار الكبار
ويحي.. ويحي.. ويحي.

ويا الله لقد حزنت قلوبنا بوفاة كابلي وبكت اعيننا لفراقه ولازالت ارواحنا تشتاق له ولكنا رضينا بقدر الخالق ، وستظل ألستنا تهتف بالدعاء له، اللهم اني أسالك في هذا اليوم أن تجعله على ضفاف نهر الكوثر مبتسماً في أرقى مراتب الجنان، اللهم نور مرقده وعطر مشھده وطيّب مضجعه وآنس وحشته ونفس كربته وقِه عذاب القبر وفتنته، يارب ارحمه من حر جهنم وارزقه جنات النعيم، اللهم أغفر لأغلى من غاب عن الدنيا وأرحمه وأحشره في زمرة المتحابين فيك وأجعل ملتقانا به في الفردوس الأعلى ياَرب العالمين.

إنقطع عمله ونحن أمله.. يارب أعف عنه وبلل قبره بـالرحمات، رحل ولكن كالمسك مازالت رائحته عالقة بكل زاويه من زوايا المكان الذي يجمعنا به، ربـي افتح على قبره نافذةً من نسائم بردك وعفوك ورحمتك لا تغلق أبداً، اللهم ارحم من اشتاقت له أرواحنا وهو تحت التراب اللهم يا رحمن يا أرحم الراحمين يا واّحد يا أحد يا فرد يا صمد يا جبار نسأّلك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلتّه في كتابّك أو أوحيت به إلى رسلك ‏اّن تنزل على قبره الضيّاء والنور والفسحة والسرور.

اللهّم جازه بالحسنات إحسانّا وبالسيئات عفّواً وغفّراناً حتّى يكون فيّ بطن لحده مطمئّنا يا أرحم الراحمين، اللهم أمطر عليه من سحائب رحمتك، اللهم اجعل قبره روضة من رياض جنتك يارب واجعل أيديه تقطف من ثمار جنتك، يارب اجبر كسر قلبنا على فراقه، ولا تجّعل آخر عهّدنا به في الدنيا، وابنّي لنا وله بيتا فّي جنّة الفردوس واكرمه واكرمنا وبلغه وبلغنا شفاعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

Comments are closed.