الزين صالح يكتب: حزب الأمة القومي والخيارات الصعبة

402

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أي قوى سياسية؛ عندما تشرع في تقديم رؤية لحل أزمة سياسية يجب عليها أن تحدد المنصة التي تنطلق منها، إذا كانت منصة تعبر عن المصلحة الحزبية، أو رؤية وطنية مقدمة للحوار الوطني للخروج من الأزمة، و يجب على هذه القوى السياسية أن تتأكد إنها مثل الآخرين سوف تقدم تنازلات بهدف الوصول لمشتركات تسهل عملية التوافق الوطني، وتحديد المنصة توضح ماهية القيادة التي تتحكم في إدارة القوى السياسية صاحبة الرؤية.

هناك قيادات تنطلق من الحكمة ولها سعة الصدر، وهناك أيضا قيادات هي نفسها تعاني من أزمات داخلية يغيب فيها العقل، إذا كانت القوى السياسية هي نفسها تعاني من إشكاليات تنظيمية ومنهجية لا تستطيع أن تقدم رؤية تدعمها كل عضوية الحزب وبالتالى لا تجد القبول من الآخرين.

فالرؤية الوطنية ليس شعارا، بل موضوعية وعقلانية في طرح القضية، وتبدأ بتشريح الأزمة ومسبباتها والعوامل المؤثرة في استمراريتها، وتحديد الجهات المعنية بالمشاركة في الحوار، وتقديم تصورا للحل، وأي رؤية مطروحة للحوار يجب على مقدميها سماع كل الأراء المختلفة حولها، خاصة إذا كانت الأزمة متعلقة بعملية استقرار سياسي وتحول ديمقراطي.

جاء في البيان الذي أصدره المكتب السياسي لحزب الأمة القومي “إن الحزب سيطرح خارطة طريق للرأي العام والقوى السياسية وقوى الثورة الحية للتداول حولها، وأوضح إن الخارطة تهدف لتأمين الإستقرار السياسي والتحول المدني الديمقراطي في البلاد”، وهنا نسأل قيادة المكتب السياسي لحزب الأمة التي أصدرت البيان من أي منصة سوف ينطلق الحزب لتقديم الخارطة وهو جزء من عملية الاستقطاب الجارية في الساحة السياسية؟ والاستقطاب لا يؤهل صاحبه أن يدعي الرؤية القومية أو الوطنية، إلا إذا كانت الخارطة مطروحة من قبل التحالف الذي ينتمي إليه للحوار مع القوى المعارضة له.

وأيضا أن حزب الأمة يمتلك الآن لسانين، في الوقت الذي يحدد البيان وجهته السياسية والقوى التي يريدها أن تقف إلي جانبه، يؤكد رئيس حزب الأمة اللواء فضل الله برمة ناصر أنهم مع البيان السياسي الذي وقعه “حمدوك مع البرهان” وهنا يكون مفترق الطرق، فالذي إذ يريد أن يقدم خارطة للطريق أن يوحد لسانه.

هناك أسئلة يجب أن يجيب عليها المكتب السياسي لحزب الأمة، هل الخارطة المقترحة سوف تتوقف فقط أمام الرجوع للسلطة ما قبل انقلاب 25 أكتوبر أم سوف تتجاوز ذلك؟ حزب الأمة هو الذي دعا القوى السياسية التي كانت قد خرجت من قوى الحرية والتغيير لاجتماع في داره، ووصل الاجتماع إلي تكوين اللجنة الفنية، وسرعان ما نفض يده من هذا التحالف، وتحالف مع قوى المجلس المركزي التي ضمن له أغلبية في مجلس الوزراء وولاة الولايات، إذاً كيف يقنع القوى السياسية أن خارطته سوف تعبر عن منحى قومي وليس تكتيكي لمصلحة الحزب؟.

حزب الأمة حزب ديمقراطية وقيادته التاريخية منذ التأسيس تعلم أن من أهم قيم الديمقراطية احترام القوانين والوثائق، وتعلم أن الدولة المدنية الديمقراطية واستبعاد العسكر يأتي بعد قيام الانتخابات، فهل يقف للدعوة مع قيام الانتخابات في موعدها أم يفضل طريق المحاصصات مع قوى المجلس المركزي؟.

لماذا سكت المكتب السياسي في فترة السنتين عن المطالبة بتكوين المؤسسات والهيئات التي تشرع في تأسيس عملية التحول الديمقراطي؟ السؤال المباشر للقيادة الحالية لحزب الأمة هي خائفة من الانتخابات أن لا تحرز نفس المقاعد التي كان قد أحرزها الحزب تحت قيادة الإمام الراحل بسبب التغييرات التي طرأت على المجتمع؟.

كان الإمام الصادق عليه الرحمة، عندما تظهر أزمة في الساحة السياسية قبل أن يحدد وجهته التحالفية يقدم مقترح رؤية للحل ينطلق فيها من نقاط عامة بهدف فتح حوار حولها، ويهدف من ذلك الحصول على مؤشرات عامة للقوى السياسية تبين رؤية كل منهم، ثم يبدأ بصياغة رؤية عامة يصطحب رؤى الأخرين حتى تسهل عملية التوافق، وكان العقل حاضرا ومتبصرا.

لكن الآن الرغبة والمصلحة حاضرة وبالتالى لا يستطيع الحزب أن ينطلق من المنصة القومية، وقد تتعددت فيه المنصات، الأمر الذي يجعله أميل للتحريض منه لتقديم تصورات للحل، فالذي يريد أن يقدم خارطة للحوار الوطني يجعل نفسه في مسافة مع كل القوى السياسية وفقا لشعاري الثورة “الدولة المدنية الديمقراطية” و”حرية سلام وعدالة” باعتبار أن التحول الديمقراطي يجب أن تشارك فيه كل القوى السياسية لكي يشكل لها ضامنا من أي انقلابات عسكرية.

وحزب الأمة يعلم؛ أن الساحة السياسية الآن منقسمة إلي خمس تيارات، الأول المجلس المركزي الذي يعتبر حزب الأمة أحد أعمدته، والأغلبية فيه وجهتها السلطة التي كانت فيها قبل انقلاب 25 أكتوبر، وهي قوى سياسية تريد أن تبني قوتها السياسية والشعبية من وجودها في السلطة، وكانت تريد أن تستمر الفترة الانتقالية لأكثر من عشر سنوات وأكثر لتحقيق مقاصدها، وأحجمت عن الحديث حول عملية التحول الديمقراطية، وغضت الطرف عن تكوين المؤسسات “العدلية والمفوضيات والمجلس التشريعي وغيرها” التي تساعد على علمية التحول الديمقراطي، ونسيت أن السلطة تعني فتح نوافذ الصراع الذي تتغير فيه الرغبات والمصالح.

وهؤلاء أن فقدانهم للسلطة بسرعة لا يجعلهم في تمسك يتيح لهم التفكير بعقلانية، هؤلاء في حالة من الصراع النفسي ويعلمون أن المستقبل أصبح محكوم بشروط أخرى. لكن حزب الأمة ذو القاعدة الجماهيرية يجب أن يفكر بعقلانية لمصلحة عملية التحول الديمقراطي في البلاد.

المجموعة الثانية هي مجموعة الميثاق الوطني، وهؤلاء أيضا كانوا يتطلعون للسلطة التي حرمتهم منها مجموعة المجلس المركزي، وبالتالي لابد أن يبحثوا عن آلية تغير الوضع في الساحة السياسية لكي تتغير السلطة، فالرغبة سيدة صاحبها، واستغلوا حالة الجفاء التي بدأت تظهر بين العسكر والقوى في المجلس المركزي، وهم يعلمون أن العسكر يبحثون عن حليف لهم من المدنيين، لذلك ساندوا العسكر، وشجعوه على الانقلاب، المهم يحصل تغيير في ميزان القوى وقد حصل التغيير، ففكرة السلطة صراع تستخدم فيه كل الأدوات.

المجموعة الثالثة الحزب الشيوعي وواجهاته المتعددة التي يعمل بها وسط الجماهير، أن الحزب الشيوعي قد ظل يحافظ علي موقفه التحريضي، وهؤلاء شطار جدا في العملية التحريضية ولكنهم لا يملكون أي رؤية للبناء وعملية التحول الديمقراطي، في مسيرتهم بعد ثورة ديسمبر رفعوا شعار اسقاط حكومة حمدوك وابعاد العسكر من السلطة، والمطالبة بوثيقة دستورية جديدة تعبر عن هذه الرؤية.

وظلوا يعملون في الهامش السياسي، وقرب موعد تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، بدأوا في عملية التحريض أن العسكر لا يريدون تسليم السلطة للمدنيين، واستطاعوا أن يضربوا اسفين بين “قحت والعسكر” وانهاء شهر العسل بينهم وقد انساق بعض قيادات المجلس المركزي مع التحريض حتى وجدوا انفسهم خارج أسوار السلطة، لكي تبدأ مرحلة سياسية جديدة، وخرجت المسيرات يرفدها الزملاء بالعديد من شعاراتهم التحريضية منها “لا مساومة لا تفاوض لا مشاركة” وما هو الهدف من هذا الشعار؛ أن تحاصر كل القوى السياسي حتى لا تقدم أي رؤية أو تصور للحل، باعتبار تقديم هذه الأشياء تفتح منافذ الحوار ويعد ذلك خيانة للثورة، إذاً تصبح كل القوى السياسية مقيدة بالشعار المانع للحوار.
الجهة الوحيدة خارج التقييد الجهة التي أطلقت الشعار، لأنها تعرف كيف تناور به، وبالتالي الكل يجب أن ينصاع لرؤيتها باعتبارها المخرج. لذلك تحولت كل القوى السياسية للتحريض منها حزب الأمة وعجزت التفكير خارج رغبات الزملاء.

الجهة الرابعة هي التيار الإسلامي بكل مكوناته، وهؤلاء رغم أن البعض يعتقد أنهم وراء الانقلاب، لكنهم يقفون بعيدا يتفرجون على الذي يجري في الساحة السياسية، ربما يكون هناك فقط دور للمؤتمر الوطني مساند، لكن المجموعات الأخرى للإسلاميين تقف بعيدا تراقب المسرح السياسي الذي يعاني حالة الهياج وإنعدام الرؤية، وكل ذلك في صالحهم.

والتيار الخامس هو رئيس الوزراء الذي يعتقد أن الوقوف بعيدا سلوك غير فاعل يجب إحداث أختراق في بنية الانقلاب، والصراع من داخل السلطة لكي تفكك بنية الانقلاب، وكان يعتقد أن هناك نخبة قادرة على التفكير خارج الصندوق تساعده في ذلك، حتى الذين كانوا يعملون معه قد اتهموه بأنه يريد أن يعطي شرعية للإنقلاب، وهؤلاء ادركوا أن مرحلتهم قد تجاوزتها الأحداث وبالتالي يجب عليهم أن يراهنوا في الرجوع للسلطة على المسيرات، باعتبارها القوى المؤثرة الآن في الساحة، ومعلوم أن المسيرات تضع شروط مستقبل الدولة، لكنها لا تستطيع أن تقدم أكثر من ذلك، والذي يفعل هو العمل السياسي المؤسس على رؤية تجمع الديمقراطيين لكي تنشل السودان من مستنقع الأزمات، أم القوى السياسية المقيدة بمصالح السلطة والتي لا تستطيع أن تخرج من دائرة التحريض ستكون هي نفسها في حالة أزمة.

أن حزب الأمة القومي لكي يقدم خارطة طريق مقبولة وتفتح منابر للحوار حولها يجب عليه أن يحدد المنصة التي يريد الانطلاق منها، أن الأحزاب هي التي تقود الجماهير لصناعة المستقبل وعملية التحول الديمقراطي، وليس العكس. فالذي تظهره الأحزاب أنها تقف في الصفوف الخلفية للمسيرات الجماهيرية، وليس لها الدور الريادي، والعملية تحتاج إلي مراجعة ووقفه مع الذات وأختيارات الخيارات التي تجعل التوافق الوطني الداعم للديمقراطية ممكنا، لكن الوقف فقط وراء رايات التحريض لا تصنع سوى تجديد الأزمات. نسأل الله لكم ولنا حسن البصيرة.

Comments are closed.