أزمة الصراعات والنزاعات القبلية في دارفور وآفاق الحلول (3-3)
بقلم: د.التجاني سيسي محمد
تجدر الإشارة إلى أن الجفاف الذي ضرب منطقة الساحل الإفريقي في السبعينيات من القرن الماضي، تسبب في هجرات ونزوح كثيف من الدول المجاورة إلى دارفور، انتقلت مع هذه الهجرات ثقافات وأنماط سلوكية جديدة غير مألوفة لأهل دارفور.
كانت مجتمعات دارفور لا تعرف القتل العمد بقصد النهب، أو غيره من الجرائم الكبيرة، وكانت مجتمعاتها تقدس الملكية الخاصة، وتعتبر الاعتداء على ملكية شخص آخر جرم ليس ببعيد عن الكفر أو الشرك.
تزامنت هذه الهجرات مع ارتفاع وتيرة الاضطراب في الجارة تشاد، وهذا بدوره أنتج حركات مسلحة معارضة للنظام السياسي في تشاد وفتحت الأبواب للتدخلات الإقليمية سيما من ليبيا القذافي.
لقد أظهرت بعض الأبحاث الحديثة أن التدهور البيئي يمكن أن يكون أحد الأسباب الأساسية للنزاعات المسلحة، وبالتالي ركزت معظم التقارير البحثية والإعلامية عن أسباب الصراع في دارفور على التدهور البيئي والاستقطابات العرقية كأسباب جذرية للصراع.
وبلا أدنى شك، لقد تسببت فترات الجفاف الطويلة والزحف الصحراوي في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين إلى هجرة القبائل من شمال دارفور إلى جنوبه، مما أدى إلى زيادة حدة التنافس حول الموارد الطبيعية المحلية، وبالتالي كانت المواجهات بين المزارعين والرعاة أمراً لا مفر منها.
لقد ارتبط التدهور الأمني في دارفور بأمرين أخرين نعتبرهما في غاية الأهمية وهما انتشار السلاح وغياب هيبة الدولة، وبالرغم من قرار مجلس الأمن رقم 1591 الذي فرض حظر السلاح على البلاد إلا أن السودان يعتبر من أكثر الدول انتشاراً للسلاح بين المواطنين في العالم ولذلك يوصف بمزبلة الأسلحة في إفريقيا ” Africa’s arms dump” وخاصة الأسلحة الصغيرة والخفيفة الأوسع انتشاراً والتي أسهمت في التفلتات وإشعال نيران الفتن في ربوع البلاد.
لقد أسهمت الحروب التي دارت في الهامش السوداني، في جنوبه، شرقه وفي كردفان ودارفور في اقتناء المواطنين للسلاح وبتشجيع من الحكومة حتى أصبح حمل السلاح ثقافة في بعض المناطق. ولقد ساهمت بل شاركت الحكومة عبر حربها ضد الحركات المسلحة، وتجار السلاح وأمراء الحرب في انتشار السلاح بصورة غير مسبوقة في دارفور، بالإضافة إلى انتشار السلاح أثناء الحرب الباردة التي جرت فيها حروب الوكالة بين القوى العظمي في السودان.
وكان لنزاعات الجوار الإقليمي التي طفحت عبر حدود السودان دوراً كبيراً في انتشار السلاح في البلاد كما حدث أثناء الحرب التشادية ـ التشادية والتشادية ـ الليبية منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي في اثنائها تدفقت كميات كبيرة من الأسلحة على دارفور.
وكان للحرب الأهلية في إفريقيا الوسطى دوراً كبيراً في انتشار السلاح في دارفور التي أصبحت منصة انطلاق لبعض المجموعات المتمردة من افريقيا الوسطى خاصة بعد انهيار حكومة السيلكا في بانغي.
شكل نزع السلاح من أيدي المواطنين الهم الأكبر لمواطني دارفور خاصة بعد انتشار السلاح في أيدي المواطنين بصورة كثيفة وغير مسبوقة والآثار السالبة التي خلفتها على الأمن والسلم الاجتماعي، حيث أن الوضع الأمني في دارفور لن يستقيم دون السيطرة على السلاح ونزعه من أيدي المواطنين، ويعتبر السلاح المنتشر في دارفور السبب الأول وراء فشل المصالحات التي تم التوصل إليها بين أطراف النزاعات التي نشبت في دارفور، فالكل ممسك بزند سلاحه مستقو به، ضارباً عرض الحائط بالأعراف والتقاليد الموروثة، ويدع جانباً سيادة القانون والاحتكام إليه.
الحلول:
١. توفر الارادة المركزية لبسط الامن الشامل في المناطق المتاثرة بالنزاعات.
٢. اعادة تفعيل دور القوات المشتركة السودانية التشادية التي لعبت دورا هاما في مراقبة الحدود المشتركة بين البلدين ومنع تسلل المجموعات الاجرامية عبر الحدود المشتركة بين البلدين.
٣. اجراء الترتيبات الامنية لمنسوبي حركات الكفاح المسلح بشكل يجعلها اما جزءا من القوات النظامية او اعادة تاهيلها لتندمج في الحياة المدنية.
٤. من الاستحالة بسط الامن واحتواء النزاعات دون انفاذ برنامج للسيطرة على الاسلحة في مناطق النزاعات. هذا الامر يتطلب توفر الارادة الحكومية وخارطة طريق واضحة المعالم تضع الخطوات العملية الواجب اتباعها لجمع السلاح بطريقة شاملة.
على سبيل المثال خارطة الطريق التي وضعتها السلطة الاقليمية بالتعاون مع مفوضية نزع السلاح في ابريل ٢٠١٦. وبالطبع يمكن السيطرة على السلاح المنتشر في مناطق النزاعات اذا صدقت النوايا وتوفرت الارادة السياسية وتم العمل على تحييد مسببات اقتناء السلاح أو ازالتها.
٥. دعم الادارة الاهلية وتمكينها للقيام بدورها في حل النزاعات القبلية عبر مؤتمرات الصلح التي تعزز التعايش السلمي.
٦. اعادة النظر في امر الدية التي اصبحت محفزا للقتل وتحولت الى مؤسسة قبلية اجتماعية تضم في عضويتها اعيان القبيلة توكل لهم امر التفاوض حول الدية والتي في كثير مو الاحيان تؤخذ قسرا واصبح لاعضاء لجنة جمع الديات مصلحة لاستدامة هذا العمل وذلك انه بالاضافة للدية يتم عادة فرض خسارات اخرى تشمل من بينها مصروفات اعضاء اللجنة.
٧. ضرورة تفعيل القانون لردع المعتدين
٨. دعم القوات النظامية سياسيا ومعنويا وماديا وتوفير المستلزمات المطلوبة للقيام بدورها في بسط هيبة الدولة على اكمل وجه.
Comments are closed.