الزين صالح يكتب: الإعلام والسياسة في مرحلة التحولات

671

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
يشكل الإعلام بفروعه المختلفة أحد المحاور الأسياسية التي يعتمد عليها المجتمع في عملية التغيير، وخاصة في قضية التثقيف بالفكر الذي يساعد على التغيير والوعي به، وكيفية استقطاب العناصر المبدعة في المجتمع لكي تنضم لعملية التغيير.

وعندما تكون القضية مرتبطة بالحريات والممارسة الديمقراطية يصبح الإعلام هو الموجه والداعم والمثقف لها، باعتبار أن المجتمع السوداني وخاصة الأجيال الجديد ولدت وعاشت في ظل نظام شمولي قد فرض ثقافته على المجتمع، وهي الثقافة السائدة الآن، وهي ثقافة مناهضة للثقافة الديمقراطية تماما وتعيق إنتاجها.

وهنا يجيء دور الإعلام في تبصر الأجيال الجديدة بأنها عملية تحتاج لوقت، لكن من الضروري العمل في ممارسة الديمقراطية فهي وحدها التي تنتج الثقافة الديمقراطية، وخاصة الانتقال من الشعار إلي التطبيق، بالضرورة سوف تكون هناك تحديات تواجه إنزال الشعار على الأرض، إذا كانت التحديات تنطلق من مصالح شخصية وحزبية وثقافية أو الثقافة المؤسسية، ويحتاج التغلب عليها بتطوير الوعي عند المواطن، وأيضا إعداد الوسائل الممكنة التي تتوافق مع القيم الديمقراطية وليست التي تتعارض معها.

أن الذي حدث في 25 أكتوبر هو إنقلاب عسكري، وأستطاعت الجماهير أن تواجهه ببسالة واستشهاد لكي تبقي وتؤكد على شعارات الثورة “الدولة المدنية الديمقراطية” ويقظة الجماهير هي التي أدت لتغيير جوهري مرة أخرى في المشهد السياسي، وهنا يصبح دور الإعلام المنوط به التعريف بالدولة المدنية وسبل تحقيقها، وهي بالضرورة تحتاج لمبادرات سياسية ورؤية لكيفية تحقيقها على الواقع والخروج من شرنقة الانقلاب المفروض والمقيدة لانطلاق العمل السياسي.

التجربة بعد الثورة أثبتت أن القوى السياسية التي يجب عليها حمل رأية الجماهير ومطالبها أن تحولها إلي برامج عمل قد عجزت أن تقدم برامج بديلة، وخيار حمدوك كان حتمى لآن الفترة من 25 أكتوبر حتى 21 نوفمبر كانت القوى السياسية تتغنى بصلابة حمدوك ورفضه الانصياع لقيادة الانقلاب.

وكان المجتمع الدولي يعتبر حمدوك رمزا للمدنية الديمقراطية، ثم ذهبت له قيادات من “قحت المجلس المركزي” أبرزهم اللواء فضل الله برمة ناصر والدكتور حيدر الصافي ويوسف محمد زين الذين شاركوا في صياغة البيان السياسي، وقبل حمدوك أن يكون رمزا للمدنية ويحمل الرأية ويوقع على البيان السياسي لكي تبدأ مرحلة جديدة، ويعيد عجلة التحول الديمقراطي لمسارها من جديد، وهي مرحلة العمل الحقيقي، أن تلتفت فيها القوى الديمقراطية للعمل من أجل تأسيس المؤسسات التي تساعد على عملية التحول الديمقراطي، ولكنها فضلت أن تقف بعيدا وتدين حمدوك للتوقيع على البيان السياسي.

في الجانب الأخر للمشهد السياسي، أن المجتمع الدولي جميعه بارك خطوة توقيع البيان السياسي، واعتبرها خطوة في طريق البناء الديمقراطي الذي يحتاج للكثير. وهؤلاء عندما باركوا الخطوة كانوا ينطلقون من ثقافتهم الديمقراطية المؤسسة على الحوار والوسائل السلمية في تحقيق المقاصد الديمقراطية، ولا اعتقدوا بموقفهم هذا يؤيدون جانب على الأخر.

وهنا أيضا يأتي دور الإعلام لكي يبين للجماهير وخاصة الأجيال الجديدة، هل الفترة الانتقالية هى الفترة التي تؤسس فيها الدولة المدنية أم هي المرحلة التي يتم فيها الإعداد لقيام الدولة المدنية الديمقراطية، والتي يجب أن تكون عقب الانتخابات؟ هناك بعض القوى السياسية تمارس هذا التغبيش السياسي، وهي تعلم أن الدولة المدنية الديمقراطية هي تكتمل معالمها ما بعد الانتخابات، والغريب في ذلك أن بعض أجهزة الإعلام وخاصة بعض الصحف تشارك في هذا التغبيش، وكان عليها أن تقوم بدور الاستنارة والتوعية، حتى لا تستخدم الجماهير في أدوار حزبية وهي تعتقده دورا وطنيا.

أن الديمقراطية ليست هي نهاية العمل السياسي، بل هي بداية الصراع الحقيقي بين القوى السياسية، ولكنه صراع يتم داخل المؤسسات والمواعين الديمقراطية، ومحكوم بضوابط القانون والدستور، وأيضا تتكثف فيه الرقابة من مصادر عديدة، أبرزها البرلمان، والإعلام الحر والصحافة، ومنظمات المجتمع المدني. لذلك لابد للإعلام والصحافة أن تمارس هذا الدور من الآن، وتحاول توعية الجماهير حتى تستوعب الخطابات السياسية العديدة التي تقف بحق مع عملية التحول الديمقراطي، والأخرى التي تناور بها.

أن فتح الإعلام والصحف لحوارات البناء للتيارات الفكرية المختلفة، تعد من أهم الإسهامات في نشر الثقافة الديمقراطية، لأنها تبين للشباب هناك أراء عديدة، وهذه الأراء يجب كل يحترام الأخر، لآن الديمقراطية لا تقبل القطعيات، بل هي نسبية، الأمر الذي يوسع دائرة الوعي في المجتمع، والسؤال المهم جدا لماذا اعتمدت الأحزاب السياسية على الشعارات دون الإنتاج الفكري؟ هذا السؤال نجاوب عليه في مقال أخر. ونسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.