الزين صالح يكتب: الشقاومة مع الكبار.. الزيلعي مثالاً

611

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
قرأت مقال الصديق المفكر صديق الزيلعي “يا قائد بلا معركة.. آن أوان المعركة” إن قراءة كتابات الزيلعي حقيقة تحتاج لمجهود ذهني مضاعف، فالرجل لا يكتب بهدف الوقوف عند تحليل الوضع السياسي، ولا تبيان لموقفه من القضايا المطروحة، ولكن يحاول أن يذهب في سكة المفكر، عندما تشتد الأزمة السياسية، والكل يحاول أن يميل إلى جانب في مواجهة جانب أخر، هو يحاول أن يقدم أسئلة جديدة الهدف منها تغيير طريقة التفكير التي عجزت النخبة السياسية في التعاطي معها فكريا، لذلك أسئلة الزيلعي الهدف منها هو البحث عن أسباب الإخفاق في تجربة السنتين، وفي الشراكة وفي الوثيقة الدستورية.

والأسئلة تنقل المتابع من الموقف العاطفي ضد – مع إلي التفكير في البحث عن أسباب الإخفاق، و التفكير بعمق سوف يبعد العاطفة، وحتى الانتماء مؤقتا، لكي يقف موقف الباحث الذي يجرد نفسه من كل الإجابات المسبقة، ودراسة الظاهرة تفرض على الباحث أختيار المنهج الذي يريده لدراسة الظاهرة ووضع افتراضات يعتقد أنها مؤثرة في الظاهرة، لذلك نجد الزيلعي قدم مجموعة كبيرة من الأسئلة لأنه يريد تعرية الظاهر من كل خرقة تتدثر بها.

ولكن السؤال أيضا يوجه للزيلعي؛ من أين بدأت انطلاقته هل من مقام المعرفة والفكر كما يعتقد شخصي الضعيف؟ أم على أرضية أيديولوجية في طرح الأسئلة؟ أم يريد استنهاض موقفاً أيديولوجياً يحتاج فيه إلي إجابات تؤسس على المرجعية الأيدلوجية؟ أم هو مقام الباحث الذي يجرد من حالة الانتماء؟ فالذي وحده يستطيع الإجابة على هذه الأسئلة أو عندما يحاول هو الإجابة عليها سوف يتبين منهجه ومرجعيته الفكرية التي يؤسس عليها ردوده.

أن طرح الأسئلة في بداية مشروع للكتاب أن توضح للقاريء هدف المفكر وأيضا الإشارة لمنهجه، لأنها هي أيضا مجموعة من الافتراضات سوف تمر بالذهن يحاول أن يمتحنها (يبقي على البعض ويستبعد البعض) الأمر الذي يسهل الوصول للنتيجة، لكنه في ذات الوقت؛ سوف يصعب الأمر على الذين يدخلون ساحة التقييم دون منهج ومعرفة، لذلك اعتقد وآمل أن لا أكون خاطئا أن الزيلعي يريد أن يدخل نخبة المفكرين السودانيين في الساحة السياسية، لكي يفرضوا طريقة جديدة في التعاطي مع الأزمة، وأيضا طريقة جديدة في التفكير تؤدي لتغيير في الحوار السياسي بين التيارات المختلفة.

أن الزيلعي يريد أن يقول أن السياسي قد فشل في عملية التحول الديمقراطي، ويجب إستدعاء المفكر السياسي الذي يستطيع أن يشرح الأزمة ويستطيع في ذات الوقت أن يفحص الأدوات المستخدمة إذا كانت هي فاعلة، أم هي أدوات معطوبة تحتاج لتغيير.

أن العنوان الذي قدمه الزيلعي مدهش “آن أوان المعركة” إذا حاول الشخص تشريحه يجد فيها حمولات فكرية كبيرة، هو حالة من حالات التجلي والعصف الذهني، خاصة عندما كان العنوان يشغل العقل في منتصف التسعينات “أن أوان التغيير” فالتغيير لا يتم بالشعارات ولا بالعقلية السياسية التي لا تملك غير المغالطات، ولا بالتوصيف الثوري، أنما التغيير عموده الفقري هو الفكر. والفكرة هي الداعية للتغيير، لإ إذا كان أن أوان المعركة مع من هي المعركة؟ الكل كان مشاركا بصور مختلفة، وهناك أيضا من كان يملك خطابين في وقت وأحد، أن فشل تجربة السنتين الكل يتحمل إخفاقها. وأرجو أن لا تكون هي حملة من أجل تطهير جانب في إدانة جانب أخر، لتمرير مشروع بدأ يتخلق في الواقع، وواضح لكل متابع للشأن السياسي السوداني، هو مشروع مهما تدثر بالثورية والنقاء لا يختلف عن المشروع الأيديولوجي الذي أسقطته ثورة ديسمبر.

أن المشاريع الأيديولوجية أصبحت مكشوفة، وتتغطي بخرق بالية وهي تحتاج نفسها لمراجعات فكرية لكي تتسق مع الشعارات الديمقراطية التي ترفعها. أن القوى الراغبة في الدولة المدنية الديمقراطية دائما تتعامل في الضوء، ومن خلال حوارات مفتوحة، لآن الديمقراطية تحتاج لأكبر قاعدة أجتماعية تناصرها، وأن الديمقراطية تحافظ على المؤسسات الفاعلة في المجتمع ولا تفككها. كان المؤمل في القوى السياسية ذات التاريخ الطويل في النضال أن تكون أكثر اتعاظا من الأخرين، خاصة في التعلم من التجارب السابقة، لكن للأسف هي التي تحتاج الآن لإصلاح، وقالها صاحب عنوان (أن أوان التغيير) قبل 27 عاما. كان بالفعل يقرأ التاريخ بصورة ناضجة، هو أيضا طرح أسئلة عديدة عجز الذين وجهت إليهم الإجابة عليها. ليس بسبب إهمالها وأنها غير مفيدة، لكن بسبب أن العقليات التي تكلست لا تستطيع التعاطي مع الفكر الجديد.

أن الأسئلة دائما تجرنا للصراحة، والقول المباشر بعيدا عن آليات التكتيك والمناورة، فالوطن ضعف من هذه المناهج التي لا تقدم غير تجارب فاشلة. أن الثورية مرحلة أولى للتغيير لكنها لا تصنع ديمقراطية، ولا تؤسس لعملية التحول الديمقراطي، لكنها يمكن أن تصنع ديكتاتورية جديدة، والشباب في الشوارع قد أعلنوها صراحة لا مساومة في الدولة المدنية الديمقراطية. وهي دولة تقوم فقط بشروط الديمقراطية، وليس بشروط مناورات دعاة الشمولية.

صديق الزيلعي؛ أرجو أن لا أكون قد شطحت في ذلك لكنني أمن أن الفكر لا يخيب صاحبه، بل دائما يرفعه في المكان الاجتماعي والمعرفي الذي يجب أن يكون فيه. ولا مناورة وتكتيك مع الفكرة في تقدم التصورات ودراسة الظواهر، خاصة الاجتماعية.. لك التحية والتقدير.. ونسأل الله أن ينور أبصارنا.

Comments are closed.