الزين صالح يكتب: رؤيتان تشكلان سجالاً داخل القوى المدنية 

220

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن

إن الخلاف الجاري بين الحزب الشيوعي السوداني وقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” يشكل عقبة أمام توحيد القوى التي كانت منضوية في تحالف “ق ح ت” الذي كان قد تشكل في يناير عام 2019م، رغم أن الجانبين يدعوان لقيام تحالف ثوري يناهض عملية الانقلاب ويدعو لتأسيس الدولة المدنية الديمقراطية، والخلاف بين الجانبين ليس خلافاً وقع عقب انقلاب 25 أكتوبر.

بل هو خلاف كان دائراً بين الجانبين قبل الانقلاب، وكان يعلو ثم يهبط حسب الأحداث التي تفرض نفسها على الساحة السياسية، حيث كان الحزب الشيوعي داعيا لإسقاط حكومة حمدوك كما كان يدعو لفك الشراكة مع العسكر، لكن بعد الانقلاب قد أخذ منحنيات عديدة تؤكد أن الخلاف قد وصل عمقا يجبر كل جانب أن يدير معركته السياسية بمعزل عن الأخر، الأمر الذي فرض حالة من الاستقطاب الحاد، إلي جانب أن الجانبين توجها إلي لجان المقاومة حماية وأيضا استقطاباً.

بعد الانقلاب، طرح الحزب الشيوعي تحالف ثوري واسع لقوى الثورة، على اسس وثيقة دستورية جديدة، دون أن يعرف ما هي القوى الثورية التي يتطلع أن تشاركه في الحلف. وعندما أصدر تجمع المهنيين ميثاقه طالب سلطة الانقلاب أن تسلم السلطة للقوى الثورية، أيضا لم يعرف ما هي القوى الثورية، إلا أن كمال كرار عضو اللجنة المركزية لللحزب الشيوعي قال في مقابلة له مع قناة “الجزيرة نت” أن القوى الثورية المعنية هي “الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين وبعض من لجان المقاومة” وقد ذكر كرار ذات الحديث في لقاء صحفي أجرته معه جريدة (الصيحة) وأصبحت القوى التي يشير إليها الحزب الشيوعي معروفة، وهي القوى التي تشكل واجهات للزملاء وتشكل الخطاب السياسي الذي يناور به .

وبعد الانقلاب أصدرت قوى الحرية والتغيير (المركزي) بيان أكدت فيه أنها بصدد تكوين اكبر تجمع رافض للانقلاب ومقاوم له. كما جاء في بيانها أن موقف الحزب الشيوعي مناوئ لوحدة قوى الثورة، لكن الحزب الشيوعي قال أن التحالف الذي يدعو له تحالف مفتوح ولا يقبل تحالفات مجموعات، بل يجب أن تتقدم إليه الأحزاب بشكل فردي، الأمر الذي اعتقدته “ق ح ت مركزي” رفض لدعوتها بصورة دبلوماسية. باعتبار أن التقدم بطلب بشكل فردي يمكن أن يقبل الطلب أو يرفض حسب رؤية الداعين للتحالف. وقد أرسلت “ق ح ت م” ممثلين لها للحزب الشيوعي لفتح حوار بين الجانبين بهدف الوصول لصيغة مشتركة توصل لقيام حلف عريض لكن الحزب الشيوعي أكد على موقفه السابقة.

وقد أضاف عليه على لسان هنادي فضل عضو اللجنة المركزية للشيوعي في حديثه لقناة سودانية 24 برنامج (دائرة الحدث) قالت “أن قحت يجب عليها قبل أن تسعى لحلف مع الحزب الشيوعي أن تجلس وتقيم تجربة الفترة الانتقالية التي كانت تحت مسؤوليتها، وهي تتحمل ما آل إليه الأمر الآن، وأضافت لا يمكن الحزب الشيوعي يتعامل مع تحالف مايزال جزء منه مشارك حتى الآن في سلطة الانقلاب وقالت ذلك ينطبق على (الحركة الشعبية شمال) حيث ياسر عرمان في “قحت” ورئيس التنظيم في المجلس السيادي، وقالت نكون محقين لرفضنا التعامل مع التحالف لكن لا نرفض أي حوار مع الأحزاب بشكل فردي.

إلا أن قحت لا تخاف أن ينفرط عقدها، وتعتقد على لسان الناطقين بلسانها وهم كثر أنهم سوف يتوجهون للجان المقاومة ويشكلون حلفا تقوده لجان المقاومة إذا لزم الأمر، إلا أن السجال مايزال دائرا بين كل الجوانب في المسرح السياسي لخلق ثيقة توافقية تكون أكثر مرونة من سابقاتها. فهل تستطيع القيادات السياسية التي فشلت قرابة الثلاث أعوام في السير في طريق الدولة المدنية الديمقراطية أن تنجح في محاولة أخرى أم يجب تغيرها بعناصر أخرى لها تصورات جديدة؟.

إذا كان الحزب الشيوعي يهدف من عملية توحيد القوى الثورية أن يكون مهيأ لكي يستلم السلطة، لا تصبح مهمته فقط تكوين الحلف، وأيضا هدم أي حلف أخرى يشكل له تحدى يمنعه من أن يتسلم السلطة، ومعلوم أن تحالف قحت هو الموقع على الوثيقة الدستورية، وبناء على هذه الوثيقة تصبح “قحت” مسؤولة مع العسكر في شراكة السلطة وفقا للوثيقة، إلا أن “قحت” قالت على لسان عدد من القيادات أن الوثيقة أنتهت. لذلك نجد الشيوعي يؤكد أن الوثيقة الدستورية قد سقطت، لكي يكون الطريق مفتوحا له لاستلام السلطة، لكن المجتمع الدولي يبني موقفه الداعم للسلطة المدنية بموجب هذه الوثيقة الدستورية، وبمبدأ الشراكة، أن خطاب عدد من قيادات قحت بأن الانقلاب قد اسقط الوثيقة الدستورية يكونوا قد تنازلوا طواعية عن الحق، وسهلوا المهمة للحزب الشيوعي، بأن سقوط الوثيقة الدستورية يسقط الشراكة، ويصبح التنافس دون مرجعية، فقط يعتمد على نشاط وفاعلية كل جانب في استقطاب القوى المدنية الأخرى، ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة. وكان الواثق البرير الأمين العام لحزب الأمة القومي وناطق بأسم ( ق ح ت م) قد دعا ” كافة قوى الثورة تجاوز التباينات الثانوية وتكوين مركز تنسيق موحد، برنامجه الأدنى لمقاومة وهزيمة الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية”، الدعوة تكون قد تجاوزت الحلف إلي مركز تنسيق بين التحالفات المناهضة للانقلاب، معنى ذلك كل كتلة تحتفظ بذاتيتها العضوية على أن يكون هناك مركزا للتنسيق.

 لكن هل يقبل الزملاء في الحزب الشيوعي الدعوة للتنسيق، أم يعتقدون أنهم ليس في حاجة لمركز للتنسيق، باعتبار أنهم يثقون أن تحالفهم وحده قادر على إسقاط الانقلاب. وإذا كانت هذه قناعتهم يكونوا قد فارقوا طريق الديمقراطية والبحث عن تكوين شمولية جديدة

في المؤتمر الصحفي الذي كان قد عقده “تجمع المهنيين 2″ كان قد قال الدكتور محمد ناجي الأصم ” أن تجمع المهنيين السودانيين وجميع القوى السياسية الرافضة للإنقلاب تصطف الآن حول قيادة جديدة، هي لجان المقاومة في العاصمة والولايات، وأن عليها أن تتعلم من تجربة تجمع المهنيين السودانيين، وألا تتحمل كل العبء السياسي حتى لا تتأثر بالصراعات الحزبية والسياسية المعروفة في السودان”.

هنا يحاول الأصم طرح رؤية جديدة للتحالف أن يصبح الكل تحت قيادة لجان المقاومة، والدعوة لا تخلو من مكر سياسي، أن أي فصيل يرفض أن تكون القيادة للجان المقاومة يواجه بموقف من الشارع، ويجعلون الشارع يقرر في عملية قيام الحلف، وقالها الحزب الشيوعي أن الحراك الثوري تقوده لجان المقاومة وتجمع المهنيين وهم يدعمون الشارع. لكن تظل رؤيتان في حالة من الجدال المستمر، وهل قيادات الأحزاب سوف تتنازل في هذا المنعطف التاريخي لجان المقاومة أن تقود عملية اسقاط الانقلاب وانجاز مهام الفترة الانتقالية دون تدخل منها؟ أم هي مناورة جديدة لإرجاع وجوه قديمة تلبس ماكسات دون تغيير في القناعة السابقة؟.

ان الأحزاب تحتاج لعصف ذهني لكي تستطيع أن تقدم مبادرات جديدة تخلق بها توافقا وطنيا. نسأل الله التوفيق.

Comments are closed.