الزين صالح يكتب: طريقان لا يلتقيان ما هو الحل؟

425

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
في يناير 2019م عندما قدم تجمع المهنيين مسودة (إعلان الحرية والتغيير) ودعا كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني المؤمنة بقضية التحول الديمقراطي للتوقيع عليها وتحمل المسؤولية، كان ينظر لمستقبل التحول الديمقراطي الذي يفرض مشاركة أكبر قطاع اجتماعي من خلال مكوناته السياسية والمدنية الأخرى. وبعد المساومة السياسية مع المجلس العسكري التي جاءت ب (الوثيقة الدستورية) أيضا كانت النظرة أن يحدث التوافق الذي يفضي للاستقرار لكي يتجه الجميع لعملية التنمية و البناء التي كانت تتطلب أولاً تفكيك نظام الحزب الواحد، وكل القوانين التي تسنده، لكن للأسف كانت رؤية البعض خلافا لذلك، حيث أتجه النظر للعمل من أجل الاستحواذ على السلطة لأكبر فترة زمنية ممكنة، واشتداد الصراع بين القوى السياسية، أدى لخروج البعض من قوى الحرية والتغيير. وكان متوقعا أن يحدث الصراع بين المدنيين والعسكر بسبب السلطة، الأمر الذي أدي إلي الانقلاب العسكري. وحتى الآن لا تريد القوى السياسية أن تفيق من حلم السلطة حتى تستطيع أن تجمع أكبر قاعدة أجتماعية مؤيدة للعملية الديمقراطية.

أن الخلاف بين القوى السياسية لا يساعد على الخروج من الأزمة السياسية، وهي ترفض حتى الحوار بينها لكي تصل إلي اتفاق سياسي يحترم من قبل الجميع، وتعقيد المشكلة تحدث عنها حتى رئيس البعثة الأممية فوكلر في تقريره الموجز في لقائه مع القوى السياسية والمدنية والمجتمعية في البلاد. وأكد أن الحل يأتي من السودانيين أنفسهم حيث قال “هذا التقرير يخيب أمل البعض والذين كانوا يتوقعون أن تقدم الأمم المتحدة الحل النهائي للأزمة لكن الحل يأتي من السودانيين أنفسهم” وأضاف قائلا ” أن البعثة لا علاقة لها بالآراء ووجهات النظر المختلفة ولكنها ستساعد على الدخول في المرحلة الثانية من العملية السياسية” فوكلر يبني رؤيته على الحوار بين السودانيين أنفسهم لكي يصلوا إلي أتفاق، تكون الأمم المتحدة مشرفة عليه، وضامنة له في ذات الوقت، خاصة أن القوى السياسية رغم وجود الجماهير في الشارع دائما تسأل عن ضمانات.

لكن الملاحظ: ومن قراءة الساحة السياسية؛ هناك طريقان لا يلتقيان، الأول طريق يرفع شعار اللاءات الثلاث، الذي يرفض أي حوار بين القوى السياسية، إلا وفق شروط وضعها للحوار، أن تقدم القوى المدنية التي كانت حاكمة في فترة الثلاث سنوات تقييما للفترة، وأن تأتي للحوار فرادة وليس كتحالف، وأخرى سارت مع الشعار بهدف أن يكون لها مدخلا للحوار مع لجان المقاومة، وهي تريد إبعاد كامل للعسكر من المشهد السياسي، ويجب على العسكر تسليمها السلطة باعتبارها تمثل قوى الثورة. والطريق الثاني منقسم إلي اثنين ألأول يؤكد على الحوار السياسي وحتى التفاوض مع العسكر وفق شروط تعديل الوثيقة دستورية وأن لا يتدخل العسكر مطلقا في عمل السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة.

والشق الثاني لا يرفض الحوار لكن أن يطالب بالرجوع للفترة الانتقالية ما قبل الانقلاب حتى تكون هناك حاضنة سياسية هي التي تشرف اشرافا كاملا على الفترة الانتقالية، وأيضا هي غير رافضة تشكيل حكومة كفاءات مستقلة. كيف تلتقي هذه الطرق في مسار واحد؟ الحوار والتفاوض هما الطريقان من أجل ذلك. لكن كيف تقنع الآخرين أن شعار اللاءات الثلاث يجب تجاوزه؟.

لكن نجد أن المجتمع الدولي يسير في طريق الحوار بين السودانيين للوصول لاتفاق وطني، خاصة الدول الغربية وأمريكا، حيث يعتقدان أن الحوار هو الطريق الأمثل للوصول إلي اتفاق وطني يفضي لعملية التحول الديمقراطي. حيث أصدرت مجموعة أصدقاء السودان الأسبوع الماضي، بيانا قالت فيه إن المشاورات الأولية التي رعتها البعثة الأممية المتكاملة في السودان، “تشجع لحل الأزمة السياسية في البلاد”. وقالت المجموعة؛ وهي تعلق علي التقرير الموجز للبعثة الأممية عن نتائج مشاوراتها “المشاركة النشطة لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة السودانيين في المشاورات، بما في ذلك النساء والشباب والمجموعات والمناطق الأخرى، تمثل علامة قوية ومشجعة على التزام الجهات الفاعلة لحل الأزمة السياسية وتمهيد الطريق أمام سودان ديمقراطي ومسالم”. وفي ذات أتجاه سارت دول أصدقاء السودان حيث “حث الاتحاد الأوروبي، على ضرورة إجراء حوار بين الأطراف السودانية يفضى إلى تشكيل حكومة انتقالية يقودها مدنيون.” وأوضحت أنيتي ويبر ممثلة الاتحاد الأوروربي للقرن الأفريقي، في تصريح صحفي، عقب لقاء الفريق أول البرهان “إنها أجرت” حواراً مثمراً ومشجعاً مع رئيس مجلس السيادة، تم خلاله التوافق على المبادئ العامة للحوار بين الأطراف السودانية، وضرورة تسريع وتيرته، على أن يفضي إلى توافق، تشكل بموجبه حكومة يقودها المدنيون، وإجراء الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية” فالمجتمع الدولي يشجع عملية الحوار بين الفرقاء السودانيين. فالسؤال كيف إقناع المجموعة المتمسكة بالاءات الثلاث والتي لا تريد الحوار و لكنها تريد أن تستلم السلطة من العسكر أن الحوار هو الطريق للحل؟

أن تسليم السلطة لقوى سياسية واحدة دون الآخرين، أو تسليمها لتحالف دون المجموعات الأخرى سوف يجعل البلاد تسير في ذات الطريق الذي كانت قد سارت فيه من قبل، وأن القوى السياسية كان من المتوقع أن تتفق على كيفية انجاز مهام الفترة الانتقالية وتترك صراع السلطة للفترة التي تليه، لكن البعض يعتقد أن الفترة الانتقالية التي لا تستند لشرعية انتخابية هي الأمل الذي يسمح لهم بالمشاركة في السلطة، فالانتخابات لها ظروفها الخاصة التي تعتمد على القدرة المجتمعية في الشارع. لكن عملية التحول الديمقراطي هي الضمانة للاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد ويسمح للأحزاب العمل بحرية كبير وسط الجماهير. فهل تسطيع القوى السياسية أن تعي دروس التاريخ. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.