مُلاح الرِجلة.. سلاحُ الردعِ في بيتنا

100

بقلم: كامل عبدالله كامل

لم تكن الرجلة من أنواع الطبيخ التي أحبذها، أو تلك التي تثير غدد لعابي، حتي أتي ذلك اليوم، وقبل سنوات عديدة حين حطت ركاب حبوبتي “هندية” في بيتنا، فأوقدت في ذائقتي حب الرجلة بإضافة خصل الشمار الأخضر إليها فمنحني القدرة على مضغها والتلذذ بها .

ظلت رحلتي مع الرجلة أليفة، حتي بعد زواجي والي تاريخ اليوم، لكنها رحلة محفوفة بالمخاطر، فمنذ يوم معلوم من أيام غربتي الطويلة والتي هي ممتدة على سفوح أيامي حتى اللحظة، في السعودية تحديداً طلبت مني زوجتي العزيزة ان آتي بأكل جاهز، الكبسة تحديداً.

ولسوء حظي، وببلادة متناهية مني طلبت منها أن تتصرف، وما ظننتها ان تتربص بي شراً وبالرجلة كذلك، فما أن أنهيت ساعات عملي المعلومة في دوام العمل الصباحي حتى أتيت الي المنزل وكنت ساعتها على يقين أن الأمور تحت السيطرة، وقرص الجوع الذي كان يعاجلني بقرقعات أُحاول أن أتناساها لابد أني سأسحقه الي غير رجعة.

دقائق معدودات وكان الطعام حاضراً، صحن الرجلة الذي كنت وما زلت أتفادي استحضاره في ذاكرتي، أوراق خضراء تسبح في مياه راكدة، كان لها طعماً كطعم البرسيم، مراً وغير متماسك تسبح قطع اللحم المتناثرة فيه كذنب ضب مقطوع كلما حاولت أن أمسك بواحدة كانت تهرب مني ناحية الشاطئ الاخر من الإناء ، وانا أعلم أن زوجتي تجيد الطبخ.

إستعنت ببعض قرون الشطة الخضراء علها تساعدني على سد فراغات الجوع، إزدادت المرارة مع حرارة الشطة، نظرت ناحية زوجتي فحملقت فيّ بنظرة لئيمة مع فنجلة العيون حتى انها كادت أن تقفز من محاجرها، وبعد أن كومت ملامحها في صرة معتبرة قالت لي “ده الموجود”.

نفضت يدي عن الطعام مردداً عبارات الشكر الممزوجة بالثناء مع إصطناع إبتسامة باهتة، غسلت يدي وفي ذهابي الي أخذ قيلولة بسيطة، ألقيت نظرة على المطبخ بعد أن اطمأنت نفسي الي أن العيون التي ترصد تحركاتي بعيدة عن حد رؤيتي، حلة الرجلة من الحجم الكبير وحتماً أنها سَتُخزّنْ باردة الي حين حوجة، فكرت في أن أجد طريقة للتخلص من هذه الأسلحة الفتاكة.

أحسست بحركة مريبة، لم أتمالك معها ارتباكي المفاجئ وزوجتي وبابتسامة احتملت كل مواعين الشماتة تقف ملاصقة لي وانا أحمل غطاء الحلة وأُوزع النظرات الثكلي على طعم الرجلة الذي كنت قبل اليوم أتلذذ به، وقالت بعد أن “غزت كوعها” في وسطها مفردة مساحة معتبرة “للقطامة”، أن ما تبقى من الملاح هو للأسبوع القادم ان شاء الله.

نزعت مني الغطاء بقسوة وحملت الحلة بعناية بعد أن أحكمت غطاءها الي الثلاجة، وكانت من بعد ذاك هي سلاحها الرادع والذي تستخدمه ملوحة به عند أقرب طلب للأكل الجاهز يقابله تمنع مني وكانت عبارتها التي تطير معها آخر حوائط صدى.

يرن هاتفي النقال عند الواحدة ظهراً، أوان انتهاء الدوام الصباحي، اجيب زوجتي وأغدق على مسامعها الكثير من أحاديث الغزل والغرام ، لكنها تهتك أستار براءتي بطلب الأكل الجاهز، أحاول ان انسج بعض عبارات التمنع على عجل لكنها دائما ما تباغتني وتقول بلؤم ممزوج بالتخطيط المسبق “ولا نسخن حلة الرجلة، الرجلة في التلاجة “؟. 

انكفئ ساعتها على ذكرياتي مع الرجلة، اجرجر خطاي الي مطعم الأفغاني القريب، تلوح لي إحدي الدجاجات التي هي كعروس في أيام حبسها يدبغها بخار الشواية النضيد ، أختار إحداها كقوة ردع متقدمة أقاوم بها جيوش الرجلة المحنطة في الثلاجة.

Comments are closed.