الزين صالح يكتب: قوى الوسط وتغيير معادلات الصراع

203

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن الصراع السياسي الدائر في السودان بين القوى السياسية فيما بعضها البعض وبين المدنيين والعسكريين يأخذ منحنيات مختلفة، علنية ومستترة، شعاره العلني هو “عملية التحول الديمقراطي” ويركز على حشد الناس ضد المكون العسكري الذي أحدث تغييراً في السلطة الحاكمة بالانقلاب العسكري في 25 أكتوبر، والمستتر “الرغبة في الاستحواذ على السلطة”، حيث كل قوى سياسية ومجموعة متحالفة تريد أن تكون هي السلطة دون الآخرين. والصراع العلني ضد الانقلاب الهدف منه الحفاظ على جذوة الاحتجاج والتظاهرات مشتعلة، وهي ساحة تركز فيها القوى السياسية بهدف الاستقطاب. والمستتر هو الصراع الذي يرفض كل فريق البوح برغباته في السلطة، لآن البوح سوف يؤثر على قوة الشارع في الصراع، حيث ينقسم ويتشظى. ولكن بات المستتر “السلطة” هي الحقيقة التي تلهث وراءها كل القوى السياسية. وإذا لم تتغير المعادلة على أن يصبح العلني هو الأصل، ويجلس الكل للحوار بهدف الوصول لمشروع سياسي واحد، لن يحدث تغييرا في الواقع السياسي، ويستمر الانقلاب رغم المعاناة التي يعيشها الشعب.

في ظل هذه الأجواء القاتمة والضبابية، جاءت فكرة أن تنهض قوى الوسط ، وأن تأخذ موقعها التاريخي كقوة تحفظ للمجتمع توازنه، وتلعب دورها التنويري في خلق واقع جديد، يركز على عملية التحول الديمقراطية، على أن تكون هي الأولوية، وتفضح كل الرغبات المستترة بوضوح وشفافية، حتى توجه كل الأفكار والطاقات والشعارات لعملية التحول الديمقراطي والبناء، كانت قد لعبت قوى الوسط هذا الدور في مراحل الصراع السياسي المختلفة في السودان، عندما كانت تغلق كل منافذ الوعي في المجتمع فتأتي بالفكرة التي تكون هي طوق النجاة. والآن الساحة في حاجة للفكرة الجامعة التي تستطيع أن تحدث عملية التحول الديمقراطي، وتفجر كل طاقات الإبداع عند الشباب لعملية البناء.

ظل الصراع الأيديولوجي في الساحة السياسية السودانية منذ ستينات القرن الماضي؛ هو الذي يحرك مكنزماته بقوة لكي يوقف عملية النهضة في البلاد، من خلال أختراقه للقوات المسلحة ومحاولة توظيف قوتها بهدف حسم الصراع السياسي بقوة السلاح، لكن هذه المرة قد أكتشفت القوات المسلحة أن درجة الوعي الكبيرة التي أظهرها شباب الثورة كانت مفاجأة حتى للقوى السياسية، بأنهم يريدون وضع حدا لتدخل القوات المسلحة في اللعبة السياسية، وإنها يجب أن تدرك أن إنهاء دورها السياسي يجب أن يكون نهاية لدور القوى الأيديولوجية داخل القوات المسلحة، ويبيت الصراع في الساحة السياسية بين القوى الحزبية بعيدا عن تدخل القوات القمعية. هذا التحول ليس مرتبط فقط بتحذير للقوات المسلحة لوحدها، لكنه أيضا يحتاج لعقليات جديدة داخل القوى السياسية، أن العقليات التي ورثت الثقافة التقليدية السياسية منذ الاستقلال حتى اليوم لا يمكن أن تكون مساهماتها مفيدة في عملية التحول الديمقراطي، فالثورة يجب أن لا تكون فقط ضد الانقلاب، بل يجب أن تكون أيضا داخل الأحزاب لكي تأتي بقيادات جديدة تتماشى مع الفكرة الجديدة في عملية التحول الديمقراطي.

أن عملية التجديد في العقلية السياسية؛ هي التي دفعت العديد من قيادات وسطية أن تعمل من أجل رص صفوفها، ليس لخلق وحدة شكلية، لكنها مرتبطة بفعل ينبع من كونها قوى الوسط التي يقع عليها عبء عملية التحولات والتغييرات الكبرى التي تحدث في المجتمعات، وهذا التجمع الذي ظل خارج السياج يراقب العمل السياسي، رغم دوره الكبير في الثورة، كان بهدف أن الثورة قد خلقت واقعا جديدا حيث كانت قيادته وريادته من الشباب، ويجب على الشباب أن يقودوا البلاد للتغيير المجتمعي والسياسي، لكن جاءت سيطرة الأحزاب دون مشاركة لشباب الثورة هي التي جعلت أختلالات في سلم الأولويات، حيث أصبحت المصالح الحزبية فوق الوطنية، الأمر الذي أدي لحدة الصراع السياسي من أجل السلطة، وغابت شعارات عملية التحول الديمقراطي. أن تدخل قوى الوسط الهدف منها إعادة قوى الثورة لمسارها الطبيعي. أن قوى الوسط ذات القاعدة المعرفية والتنويرية هي التي تعتبر تخلق البيئة المناسبة للشباب المبدع الذي يستطيع أن يحرك كل الفنون المطلوبة لعملية التغيير.

لذلك أشارت ديباجة مشروع وحدة قوى الوسط لتعديل مسار الثورة لكي يخدم قضية الديمقراطية حيث تقول فيه “وحدة حزب الحركة الوطنية السودانية تجعل منه فاعلا في القضايا الوطنية ومساهما في تحقيق قيم الحرية والديمقراطية – الطواف على كل أقاليم السودان للالتحام مع الجماهير وقيام الندوات السياسية، والتبشير بعودة قوى الوسط – العمل من أجل سيادة البلاد ورفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية – العمل من أجل اتفاق سلام مقبول للجميع والعمل من أجل جيش قومي موحد” ثم جاء أيضا في متنها “العمل من أجل تقديم مبادرة وطنية تنبع من إرث الوسط بعيدا عن شطح القوى الأيديولوجية”، أن استنهاض قوى الوسط بقوة لكي تلعب الدور المنوط بها، بدأت منذ بداية الثورة، لكن كان الانتظار أن تقدم الفرصة للأجيال الجديدة أن تقود الفترة الانتقالية، ولكن الأجيال الجديدة تمت محاصرتها وتوظيفها في أعمال تنفيذية ليست مشاركة في صناعة القرار السياسي. لذلك كان لابد أن يحدث تغييرا في مسار العملية السياسية، أن تدخل قوى الوسط بقوة في الساحة السياسية وتقدم رؤيتها الوسطية. وسوف تشهد الساحة السياسية مقبل الأيام نشاطا سياسيا محموما، وندوات على الهواء الطلق إلتحاما مع الجماهير، لأنها هي صانعة التغيير، ويجب أن تكون هي على مقدمة الركب. ونسأل الله التوفيق.

Comments are closed.