حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن: عادات رمضانية في بلادي

210

وما أعظمه شهر من شهور السنة الهجرية إنه شهر مدحه الحق عز وجل فى كتابه الكريم بأنه شهر القرآن الكريم وأنه شهر ليلة القدر وأنه شهر الصيام وانه شهر التقوى وأنه شهر القيام وأنه شهر الصدقات ياله من شهر عظيم خص الله به الأمة الإسلامية، يقول الله تعالى: فى محكم التنزيل بسم الله الرحمن الرحيم (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كماكتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
آيه 183 سورة البقرة.

وهذا الشهر العظيم الذى يأتى فى ترتيب الشهور العربية بعد شهر شعبان المسمى عند أهلنا ب “قصير” لقصر أيامه حيث تكون ينشغل الناس فيه بالاستعداد لشهر رمضان، وهم عجلة من أمرهم لذا تقصر أيامه بهذا الانشغال والجهد فمن ميزاته أنه يضع الناس أمام الأمر الواقع، لذا يجتهدون فى إكمال النواقص فى البيوت خاصة النساء حيث يجتهدن فى إنجاز جميع الأعمال المنزلية وبالأخص الشراب المفضل للصيام “الحلو مر أو الآبرى” والذى يحتاج إلى وقت طويل لصناعته فهو يصنع من الذرة ويزرع لفترة طويلة تسمى “الزريعة” ثم يطحن ويدقق وتضاف له مدخلات محلية من البهارات مثل الزنجبيل والقرفة ويعجن مثل العصيدة، ويصنع فى شكل كسرة بلون أحمر تقيل وتسمى هذه المرحلة “عواسة الآبرى” ويقدم مشروبا رائعا لمائدة الإفطار، فبدونه يكون طعم الإفطار ناقصا فهو مفضل عند أغلب الناس (أغنياء وفقراء) (صغار وكبار) يقولون أنه يقطع عطش الصيام ويريح المعدة لكنه فى ذات الوقت له تأثير على بعض مرضى الباطنية.

وفى سنوات سابقات عندما يدخل شهر رمضان هناك بعض التقاليد الاجتماعية فى رمضان وهى تميزه عن غيره من بقية الشهور ولاتزال موجودة فى بلادنا السودان، فأهمها إنتظار آذان المغرب لشرب المويات وهى عادة حصرية على رمضان وتسمى “الضراء” حيث يتحلق الناس فى حلقات خارج المنازل على الطرقات يتجمعون قبيل الآذان بدقائق ويجلسون فى البروش كل أمام مائدته يترقبون صوت الآذان الذى يأتى من بعيد حيث لم تنتشر فى ذلك الوقت (مكبرات للصوت) مثل وقتنا الحالى وعادة مايلجأون إلى “دق الحديد” بصوت عال ليسمعه الصائمون عند دخول وقت المغرب وكذلك يتم “دق الحديد” للسحور فكان (المسحراتى) موجدا يتحرك فى الطرقات ويضرب الحديد لتنبيه الناس إلى حلول وقت السحور وهو رمز إجتماعى معروف بين الناس.

وهناك شخص أو أشخاص يأخذهم النوم ويفوتهم السحور ودى حكايه، يكون مصيره الصيام بدون سحور ويصبح حكاية عند وقت الإفطار بأن فلانا فاته السحور ويكون مادة دسمة للنقاش، كيف إستطاع أن يكمل يومه ويلحون عليه بالأسئلة أها يافلان الليلة قضيت اليوم كيف أن شاء الله ماعطشت، ماتكون أجرست أها اليوم الليلة حار مش وهو يجاوب مرة ينفى الجرسة ومرة يؤكدها إلى أن ينفض سامر القوم من جلسة الإفطار وهى جلسة تميزها صينة الشاى والقهوة اللتان تشكلان حضورا متميزا خلال رمضان لاعتقاد الناس فى الجبنة بأنها تقطع العطش وتعدل المزاج وتفك الصداع وكذلك الشاى الذى يسمى الباتيل البشد الحيل، ويعتبر من أهم المنبهات فى وقت الإفطار، والمائدة الرئيسة للإفطار، تتكون من العصيدة وهى ركنها الأول يوم بملاح روب ويوم بتقليه ويوم بأم شعيفه ويوم بلوبيا، وهناك ركيزتان أساسيتان مع العصيدة كورة الابرى وكورة أخرى بها أحد العصائر البلدية والكلام دا بالكوره لسه مافيش جك بلاستيك أو جك قزاز أو حافظات تبريد ولا حتى كبايات ذاتا مافيش تشيل الكوره وتشرب وتدى جارك الجنبك وهاك يا (كركدى، تبلدى، عرديب، عيش) وبجانبهما البليلة والتمر والنشاه وماء الشرب.

وعندما يصادف شهر رمضان فصول الصيف الحارة شهر أبريل ومايو ويونيو وماأصعبها حيث ترتفع درجات الحرارة لتصل إلى أكثر من ٤٥ درجة مئوية والناس هناك يعيشون بدون كهرباء والمياة شحيحة تتطلب جهدا أكبر للحصول عليها وهو جهد لابد منه، يبدأ أحياناً بعد صلاة العشاء والتراويح ويستمر إلى وقت السحور وصلاة الفجر، وعادى يكون السحور فى أماكن وجود المياه (الآبار) وهو وقت نشاط وحركة لبرودة الليل ويستثمر فى جلب الماء من الآبار ب(الدلو)الذى يجر بالأيدى من أعماق طويلة بحبل يسمى (الرشا) ولك أن تتخيل صيام الناس فى ذلك الزمان والمعاناة التى عانوها، ورغم ذلك تجدهم فى حالة رضاء تام يشكرون الله أن وفقهم فى الصيام وفى ذات الوقت يبحثون عن توفير الماء ولقمة العيش لأسرهم ليس هناك محطات لمياه الشرب ولا مخزون إستراتيجي من الطعام لقضاء شهر رمضان ولا أموال مخزنة تساعدهم على شراء إحتياجاتهم ولامصانع للتبريد والثلج ولامكيفات ولامراوح، إلى أن ينتهى يومهم الرمضانى ليبدأ يوم جديد على هذا المنوال الصعب، لكنهم أصحاب إرادة وهمم كبيرة وثقة وتوكل على الله تعالى وصبرا على المشقة والمعاناة يرجون ثواب الله تعالى.

وفى ذلك قال رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم فى صحيح البخارى عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ.

Comments are closed.