ياسر الفادني يكتب «من أعلى المنصة»: من هنا يبتسم النهر القديم

68

بالتأكيد يبتسم النهر القديم لمن؟ لبعانخي ولتهراقا والمهدي.. لعلي عبد اللطيف ولعبد القادر الحبوبة، للقرشي ولكل محب لهذا الوطن الغالي، أجمل واعذب كلمات خطها ورسمها لوحة وضعت من بورتريه من نور ألوان في حب الوطن صممها الشاعر الراحل د .مبارك بشير طيب الله ثراه، كلمات كلها مفعمة بحب تراب هذا الوطن، تقدس له أيما تقديس، وتنادينا خفاقا كخيول الريح في جوف العتامير تنادينا.. لك يا أرض البطولات وميراث الحضارات.. نغني اليوم في عرس الفداء ، صدح بذلك غناءاً الراحل المقيم العظيم فنا والفخيم صوتا محمد وردي.

د. مبارك بشير يعتبر واحد من أساطين الشعراء السودانيين وفحولهم، أثري الساحة الشعرية السودانية بفن سام وجمال سحره وعطره آخاذ ، عشق فيه الجمال وعشق في شعره هذا الوطن الخالد الوطن الذي يسع الجميع، مجد فيه الذين ارتقوا فداءا له وظلوا في ضفاف جنة الخالدين، نذكر الآن جميع الشهداء.. كل من خط علي التاريخ سطرا من دماء.. نذكر الآن جميع الشرفاء.. كل من صاح في وجه الظلم لا.. لا.. لا.

درر من عقد الكلام الماسي نظمها هذا النحرير، لعب في رائعته بنرد اللغة لعبا جميلا ممتعا مسليا كل مايرميه يتحصل علي العدد الكامل، يختار المفردة إختيارا، يضع عليها الألق الموسيقي الشفيف بعصف ذهني راقي ثم يكتبها حبرا من ذهب يلمع كلما يظهر ويتمرد لمعانا إذا اختفي، نحن أبناؤك في الفرح الجميل.. نحن أبناؤك في الحزن النبيل.. ونغني لك ياوطني كما غني الخليل.. مثلما غنت مهيرة تلهب الفرسان جيلا بعد جيل.. ونغني لحريق المك في عمق الدخيل.. للجسارة حينما استشهد في مدفعه عبد الفضيل.

مبارك بشير نشأ في كنف أسرة دينية، درس القرآن وتحلي بجبة الصوفي المتحلق دوما حبا لله وعشقا لذكره، استفاد في نضمه للقصيد من دراسته للفلسفة واللغات من جامعة الخرطوم واستفاد من عمله في مصلحة الثقافة آنذاك، كل هذه المحفزات انطبعت علي نبضه ورسخت مفرادته وانارت عباراته الجزلة ووضعته في الريادة الشعرية في هذه البلاد ، نكحل اليوم ماقينا بمرواد الصلابة.. وإيمان كإيمان الصحابة.. سوف نفديك دواما.. ونناجيك هياما.. فلتعش حرا أبيا في مهابة.

هذا العسل السوداني الخالص المصفي الذي صنعاه شاعرنا القامة والفنان الخالد وردي ، بلاشك كان نتاج من خلية اجتهدت فيها ملكات الكلمات شعرا جميلا وصوتا فريدا اخرجت نهر حب لهذا الوطن من عسل مصفي لذيذ للآكلين، فيه شفاء لكل داء فيه كراهية لهذا الوطن الغالي، مشروبه لذيذ ولونه فيه جمال الصورة وحلاوة المعني وطلاوة المبني.

للأسف هذه القصيدة فقط نسمعها عندما تكون هنالك مناسبة وطنية فقط تذاع عبر مكبرات الصوت فقط ، هذه الكلمات يجب أن تترسخ في كل قلب وعقل سوداني وتحفظ عن ظهر قلب ، هذه الكلمات يجب أن تدرس ليعرفها جيلا بعد جيل ، هذه الكلمات ارسلها لكل سياسي أو عسكري يظلم ويقصي أخاه ، هذه الكلمات تنبذ الخلاف والاختلاف وتناسي مرارات الماضي والنظر بعين ثاقبة وقلب حنين لهذا الوطن الذي إن لم يتوافق أبناؤه سوف يضيع ويضيع ، فيا سياسي وعساكر بلادي اصنعوا لهذا الوطن عرس الفداء.

Comments are closed.