الزين صالح يكتب: هندسة الساحة واللعب على المكشوف

318

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن

عندما وصلت أحزاب وفصائل أتحادية للعاصمة المصرية القاهرة والإلتقاء بالسيد محمد عثمان الميرغني والوصول لتوقيع اتفاق بتكوين جسم تنظيمي (تنسيقية) كمرحلة أولى في طريق وحدة (الحركة الاتحادية) كان الهدف واضحا أن الكتلة الاتحادية قررت أنها لن تقف على السياج تشاهد وتراقب الأحداث السياسية، بل لابد أن تلج للساحة بقوة حاملة معها (مبادرة السيد الميرغني) كمسودة مشروع سياسي يتم تطويره من خلال الحوار، الذي يتم بين قواعد الفصائل والأحزاب المشاركة في التنسيقية، وغيرها من الفصائل الاتحادية الأخرى التي لم توقع على الاتفاق، بهدف تحريك الساكن السياسي، وكمدخل لحوار وطني. لكن الخطوة نفسها مرتبطة بخطوات عديدة مع قوى سياسية أخرى، وحركات مسلحة، الهدف منها هو هندسة الساحة السياسية بصورة جديدة، تخلق وقعا جديدا يفضي إلي توافق وطني. هذا التوافق ليس بالضرورة أن يكون شاملا لكل القوى السياسية في الساحة، إذا تعثرت خطوات البعض للإنضمام، لكنه غير موصد الأبواب بل موارب الأبواب للذين يترددون في البداية.

جاءت الخطوة الثانية من (التنسيقية الاتحادية) بالتوقيع مع حزب الأمة (مبارك المهدي) للعمل المشترك، لكن الهدف منها أن تسعى التنسيقية لفتح حوارات مع مجموعات حزب الأمة لكي ترجع من مهاجرها للحزب الأصل. باعتبار أن العملية الهندسية لتجديد الساحة تتطلب أن يدفع الحزبان بقوتيهما في الساحة من أجل فتح حوار سياسي يفضي لتوافق وطني. الفكرة هي التي دفعت رئيس الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون لقمان أحمد (المقال من وظيفته) أن يستضيف اللواء برمة ناصر رئيس حزب الأمة و عمر خلف الله مسؤول الإعلام في الأصل في برنامج ( البناء الوطني) قال فيه اللواء برمة “أن الحزبين الاتحادي والأمة كانا قد لعبا دورا مهما في مراحل التاريخ السياسي بعد الاستقلال في السودان، إبرزها تحقيق الاستقلال، وهما الآن مطالبان أن يلعبا ذات الدور لخروج السودان من أزمته المستعصية” ويضيف خلف الله في البرنامج “أن القوى السياسية التي تمتلك قواعد عريضة في المجتمع السوداني يقع عليها عبء عملية الخروج من هذه الأزمة التي أنعكست بصورة سالبة على حياة الناس في المعاناة اليومية للعيش” أن المتحدثين قد أكدا أن الحل يكمن في حوار وطني عريض سماه اللواء برمة ناصر (الكتلة الوطنية) رغم أن اللواء ظل يتحدث عن هذه الكتلة لكنه يجد معارضة من قبل تيار داخل حزب الأمة، يعتقد أن أي عمل يجب أن يتم من خلال تحالف ( قحت– المركزي)  هذا الانقسام في الرؤية داخل الحزب يعد كوابح لرؤية اللواء برمة. لكن عندما يدخل لاعبين جدد على الساحة، وتمتد خطواتهم إلي الأقاليم، في ذلك الوقت سوف يراجع الكل مواقفهم، لأن المسألة سوف تتحول لصراع انتخابي مبكر تتوقف فيه التكتيكات والمناورات. وهي فكرة الاتحاديين والأشقاء منذ الوطني الاتحادي. “لا تدخل مع الأخرين في جدل بل كثف العمل والنشاط تغير طبيعة الصراع بالشروط التي تريدها”.

بعض القوى السياسية بدأت تدرك أن هناك قال كمال كرار عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في تصريح له مع جريدة الجريدة “يجب أن لا تكون الجبهة المعارضة للانقلاب وسيلة من أجل الصعود للسلطة وتنسي أهداف الثورة وطموحات الجماهير بتحقيق السلطة المدنية الكاملة” واضاف قائلا “يجب وجود برنامج موحد متفق عليه عقب سقوط الانقلاب وإن لا يكون التركيز على إسقاط النظام لوحده. وأن لا تكون الوحدة في إطار العودة للشراكة مع المكون العسكري والعودة لذات الأخطاء السابقة” حديث كرار جاء فيه شيء من اللين والتنازل عن الشروط السابقة، نفس كمال كرار كان قد قال (للجزيرة مباشر) أن الثورة مستمرة حتى يسقط الانقلاب وتسلم السلطة للقوى الثورية، وكان قد حددها في (الحزب الشيوعي – تجمع المهنيين – بعض لجان المقاومة) وكان الحزب الشيوعي قد رفض دعوة ( قحت–المركزي) الداعية لتكوين جبهة عريضة، وكان قد طالبها بعمل تقييم للفترة السابقة، وأن تجتمع معه كفرادى وليس كتحالف، والآن كرار يتحدث عن الدعوة للجبهة العريضة، وهي تعتبر رسالة إلي ( قحت-المركزي) أن الحزب الشيوعي قد يقدم تنازلا في شروطه السابقة. مما يؤكد أن الحزب الشيوعي قد وصل لقناعة أنه لا يستطيع أن يحارب لوحده في جبهة منفصلة، كما بلغته الرسالة من فكرة العمل من أجل هندسة الساحة السياسية بصورة جديدة. والمسالة لا تغيب على فطنة الزملاء أن القوى السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر تريد أن توقف قوة الدفع للزملاء في الساحة السياسية.

تكتمل الصورة بمبادرة الجبهة الثورية، الداعية لحوار مفتوح من أجل الخروج من الأزمة السياسية، ومبادرة الجبهة الثورية محطة مهمة في عملية هندسة الساحة السياسية، أن يكون هناك حراكا سياسيا يغطي على الأجندة التي كانت سائدة في فترة الستة شهور الماضية، هذا الواقع ليس عبارة عن مبادرات تخرج هنا وهناك ولكن سوف يتبع ذلك نشاطا سياسيا مكثفا لكيفية التقريب بين هذه المبادرات والخروج منها (بمشروع سياسي وطني) متفق عليه من قاعدة عريضة. والجبهة الثورية تعتقد أن المشروع السياسي الوطني يجب أن تضع قواعده من خلال الحوار بين القوى السياسية جميعها حتى تكون ضمانا لحماية عملية التحول الديمقراطي.

قال الدكتور إبراهيم غندور القيادي في حزب ( المؤتمر الوطني المحلول) لقناتي ( الجزيرة مباشر – طيبة) أنهم سوف يشرعون في الأيام القادمة في رفع عريضة للمحكمة الإدارية يعترضون فيها على حل حزبهم. وبعض قيادة المؤتمر تقول أن عملية العريضة سوف تكون مصحوبة بحركة سياسية، ومسيرات سلمية وفقا للقانون هذا من جانب، ومن جانب أخر، أن بقية الأحزاب الإسلامية الأخرى سوف تنشط سياسيا، بهدف المشاركة في الحوارات التي سوف تدور بين القوى السياسية، والحركات على المبادرات المختلفة، وكان كمال عمر الأمين العام لحزب (المؤتمر الشعبي) قال عدة مرات في لقاءات تلفزيونية وصحفية، أنهم قد التقوا في حوارات مع عدد من القيادات الحزبية من بينها حزب الأمة وفي ذات الوقت: أن حركة الإسلاميين سوف تدفع القوى الأخرى أن تكون أكثر نشاطا بهدف استعادة قواعدها السابقة، والعمل من أجل المحافظة علي قواعدها التقليدية. والواقع الجديد هو الذي سوف يفرض شروطا جديدة على العملية السياسية، وأيضا يغير في العديد من الشعارات المطروحة الآن في الشارع، وكما قال عمر خلف الله لتلفزيون السودان على المارد الاتحادي؛ أن يطرح رؤاه الديمقراطية بقوة، يتجاوز بها مصطلحات في الساحة لا تخدم عملية التحول الديمقراطي.

السؤال هل هذه الهندسة مخطط لها؟ الجواب نعم لذلك سميتها (هندسة الساحة واللعب على المكشوف) وتقول بعض القيادات الاتحادية أن الديمقراطية تؤسس على التنافس والصراع، وهذا الصراع يكون داخل المواعين الديمقراطية، وأهمها ( أجهزة الإعلام) بهدف إشراك أكبر قاعدة جماهيرية في الحوار الذي سوف تقوم به أجهزة الإعلام في الفترة القادمة. ويقولون أيضا؛ كانت قواعدنا بعيدة عن الساحة بسبب إعطاء فرصة للشباب أن ينجزوا الفترة الانتقالية، لكن تباطأت اقدامهم؛ فكان لابد من الدخول للساحة بصورة منظمة بهدف العمل مع الآخرين، لوضع عجلة التحول الديمقراطي والتنمية في مسارها الصحيح، والوصول إلي انتخابات عامة يحكم فيها المدنيين وتنتهى بعدها قضية (عسكر ومدنيين). ويقولون أن الحوار الهدف منه بناء الثقة بين القوى السياسية، وأحترام الرأي الأخر، ويقلل فرص العنف و الغلو.

إذا؛ الساحة السياسية سوف تشهد حراكا بين القوى السياسية المختلفة، وأيضا صراعا بين تيارات الفكر المختلفة، وسوف تظهر تحالفات جديدة، وتغيب تحالفات، وهذا الحراك لن يكون داخل الغرف المغلقة ولكنه في الهواء الطلق، واللعب على المكشوف، حيث تصبح الساحة الإعلامية قبلة للنشاط السياسي خاصة أنها تعطلت في الستة شهور الماضية، كما أن بعض القوى قد رصدت مبالغ بهدف امتلاك أدوات إعلامية (قنوات تلفزيونية – صحافة) بهدف التواصل مع قواعدها في كل مناطق السودان. وكما قال عادل إبراهيم حمد رئيس حزب الأشقاء عند التوقيع على التنسيقية “أن الهدف من مبادرة الاتحاديين التنسيقية مقترنة بالوحدة؛ مؤشرا لتصحيح وضع الوسط المعتدل بعد أن تغولت عليه تيارات التشدد والتطرف وساقت الوطن إلي أفق مسدود” هذا يؤكد أن الساحة مقبلة على حراك سياسي محموم نأمل أن يكون في صالح عملية التحول الديمقراطي، نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.