الزين صالح يكتب: نبوءة هيلاري كلينتون في السودان

169

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون؛ في الفترة الأولي للرئيس باراك أوباما، وفي أحدي زيارتها لمنطقة الشرق الأوسط، أثناء ثورات الربيع العربي، أن الإدارة الإمريكية سوف تدعم مراكز البحوث التطبيقة لكي تصنع أجهزة اتصال (موبايلات ذكية) لا تخضع للرقابة من قبل أجهزة الأمن ولا تتأُثر برقابة الانترنيت في تلك الدول، والمقولة تشير لدعم الإدارة لثورات الربيع العربي.

السؤال: هل كانت هيلاري كلينتون تتوقع أن وسائل الاتصال الاجتماعي سوف لا تلعب دورا في عمليات التعبئة والحشد فقط، بل سوف تبدأ في محاصرة العقل السياسي التقليدي في المجتمعات التي تحكم بنظم شمولية؟ وأن المجتمعات في المنطقة سوف تعاني من حالة مخاض سياسي يستمر طويلا، لكي يتخلق فيها عقل جديد قادر على تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية؟

أن مقولة هيلاري كلينتون تؤكد أن هناك عقل يخضع الظواهر والأحداث التي تقع في المجتمعات للدراسة والبحث، وهناك عقل أخر لا يتعامل مع الظواهر إلا باعتبارها أحداث عابرة لا تترك أثرا في المجتمع. أن الأزمة السياسية التي يعيشها السودان ليست أزمة في حدود مؤيد للانقلاب، وأخر رافض له لآن السودانيين جميعا رافضين الانقلاب، حتى الذين صنعوه رفضوا أن يطلقوا عليه انقلاب، مما يؤكد أن الانقلاب أصبح عملا مرفوضا وغير مقبول. وأدي إلي تعقيد الأزمة أكثر، مما صعب على العقل السياسي التقليدي فهمه وكيفية التعامل مع الانقلاب بالصورة التي تحدث فيه أختراقا، والسبب يعود أن العقل السياسي السوداني التقليدي لم يستطيع أن يتعامل مع المسائل المعقدة. والعقل التقليدي هو العقل المنمط على ثقافة واحدة لا يستطيع تجاوزها.

مثالا لذلك: أن ثقافة الجودية في السودان التي كانت تتعامل بها الإدارة الأهلية، والمجتمعات الريفية لمعالجة قضايا اجتماعية وخلافات ونزاعات تقع داخل هذه المجتمعات. يريد العقل السياسي التقليدي أن ينقل هذه الثقافة للحقل السياسي، لذلك أخرجها في شكل مبادرات ووثائق تتخذ ذات المنحى في تسهيل حل القضايا السياسية المعقدة. والجودية الجديدة ثقافة لا تتناسب مع المجتمعات المنفتحة التي غذاها التطور التكنولوجي (وسائل الاتصال الاجتماعي) الذي دفع قطاع عريض من الأجيال الجديدة للمشاركة بآرائهم في العمل السياسي، إلي جانب أكتساب معارف جديدة ونظم جديدة وأفكار جديدة، هذه ألأشياء المكتسبة جعلتهم متمردين على الثقافة السياسية التقليدية.الأمر الذي جعل المبادرات لا تستطيع أن تحدث تغييرا في الواقع بالصورة التي تكون جاذبة للأجيال الجديدة. والعقل التقليدي قد ظهر بصورة كبيرة في ظاهرة المبادرات الدائرة الآن في المجتمع والساحة السياسية، باعتبارها ثقافة تقليدية نجحت في فترات سابقة وماتزال مستمرة، الأمر الذي يؤكد أن العقل التقليدي أصبح محاصرا تماما. وظهر بشكل جلي بعد التوقيع في وثيقة المركز الأفريقي لدراسات الحوكمة.

حيث بدأت الأحزاب التقليدية تتملص من توقيع مسؤوليها، حيث صدر بيان من حزب الأمة القومي يقول ” أن توقيع رئيس الحزب المكلف كانت بمبادرة منه على أعتقاد أنها تجميع لكل المبادرات في الساحة السياسية دون الخوض في تفاصيلها والتي لا تتسق ورؤى حزب الأمة القومي، والتي وردت بخريطة الطريق المجازة من قبل حزب الأمة” وهذه ليست المرة الأولى يوقع فيها اللواء فضل الله برمة لمناصرة عمل سياسي، وبعده تصدر بيانات من الحزب تنفي علم الحزب بها، الأمر الذي يربك العمل السياسي وتكراره سوف يفقد الثقة في الحزب. وأيضا قال مكتب الميرغني لم يبعثوا أحدا للتوقيع، وأيضا قال كمال عمر الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي أن الميثاق يكرس لحكم العسكر لذلك رفضوا التوقيع.

في الجانب الأخر من المشهد السياسي: نجد أن الحزب الشيوعي يتحكم في خروج الشارع دون منازع، وسيظل الزملاء حريصين على استمرار التظاهرات لكي يؤكدوا سيطرتهم، ولكن الزملاء لم يقدموا مشروعا سياسيا، كأن المبتغى عندهم فقط حركة الجماهير في الشارع، فالعقل الذي فطم على المعارضة لا يستطيع أن يتجاوزها للبناء، هم أيضا يمثلون الجانب الأخر للعقل التقليدي، أن يفرض حصارا على القوى السياسية، ويشل قدرتها حتى لا تستطيع أن تتحرك في مساحات إلا إذا سمح الزملاء بذلك، كل حالات التردد وعدم التفكير خارج السياق التقليدي يرجع لحالة حصار الزملاء لهم. رغم أن الزملاء يعلمون يقينا أنهم لا يستطيعون أنجاز شيء إلا من خلال الواجهات فقط، أما كحزب مرفوضين حتى من خلال المشاركين في هذه المسيرات اليومية. ويرجع ذلك لتصنيف الأجيال الجديد أنه حزب تقليدي مشروعه الفكري قد أندثر تماما وأصبح تاريخ حتى روسيا التي كانت تقوده اليوم لم تعد تتذكره إلا باعتبارها كانت أحدى القطبين في القرن الماضي.

وقوى الحرية والتغيير رغم محاولات أختراقها للشارع لكسب قطاع من لجان المقاومة، لكنها فشلت في أن يكون لها أثراً واضحا في الشارع يعزز مكانتها، وهذا يعود لأنها فشلت أن تجعل من نفسها قوى تستطيع أن تقدم برنامجا جاذبا لقطاعات جماهيرية، الأمر الذي جعلها تنظر للواقع بعين والأخرى لما يفعله الزملاء. الآن ربطت نفسها بمقولة أصبحت مرددة عند كل قيادات الحرية والتغيير لابد من أن يرحل الانقلاب…! السؤال كيف يرحل الانقلاب؟ ومن هي الجهة التي يجب أن تستلم مفاتيح السلطة من العسكر؟ لا تجد جوابا والبعض الأخر ما تزال ذاكرتهم مرتبطة بالسلطة. ومن غرائب الأشياء أن العسكر يهددون المدنيين بالانتخابات. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.