الزين صالح يكتب: رهانات التغيير ومآلات النجاح

361

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
إن رهانات التغيير في السودان تواجه أكبر معضلة في التاريخ السياسي في السودان، لأنه صراع بين عقليتين الأول عقلية التغيير الديمقراطي من خلال رؤى جديدة، والثانية عقلية الإرث السياسي التقليدي أن تجربة الثلاث سنوات الماضية أكدت أن الثنائية القاتلة قد برزت بصورة واضحة، عندما انصرفت القوى السياسية عن عملية التحول الديمقراطي وأصبح تفكيرها محصورا في السلطة، وكيفية الاستمرار فيها. وأكدت من جانب أخر أن القوى التي تعاني من إشكاليات تنظيمية وفكرية لا تستطيع أن تكون عنصرا فاعلا في عملية التغيير، وخاصة عملية التحول الديمقراطي، وكما يقول المثل “فاقد الشيء لا يعطيه” فإذا استعرضنا كل حزب على حدى نجد أنه يعاني من ذات الإشكاليات التي يرفع شعاراتها، ونستعرض القوى المؤثرة في الساحة السياسية بعد عزل رئيس نظام الإنقاذ في 11 أبريل 2019م:-

1- حزب الأمة القومي؛ بعد رحيل الإمام الصادق المهدي عليه الرحمة، أصبح الحزب يعاني من إشكالية تنظيمية وفكرية، لا تساعده على تقديم رؤى تخلق جدلا سياسيا في الساحة لكي يرتقي بها لمسار عملية التحول الديمقراطي، أن حالة الخلاف في الرؤى داخل الحزب جعلت هناك تصرفات تبدر من قيادات وتتبعها بيانات تنقد تلك التصرفات، حيث يتصرف رئيس الحزب بصورة يعتقد أنها صائبة للخروج من أزمة البلاد، ثم تصطدم رؤيته برؤية معارضة تعتقد أن الحزب لا يستطيع في الظرف الحالي أن يخرج من دائرة التحالف الذي ينتمي إليه، في ظل الصراع الدائر في الساحة، حزب الأمة لا يريد أن يفقد شعرة معاوية التي تربطه بالعسكر، ولا يريد أن يخرج من تحالف “ق ح ت المركزي” الذي يعترف للحزب بقيادته في الصراع الدائر، لذلك دائما يكون هناك تصرفا ثم بيان يحاول أن يبرر التصرف ويفارقه هذا السلوك السياسي يقزم من دور الحزب ويعطل قدرته الذاتية في عملية حل أزمة البلاد، حزب الأمة بهذه الحالة تجده يتفاعل مع الأحداث لكنه لا يستطيع صناعتها، لذلك يتراجع دوره القائد في عملية التغيير فالحزب فقد مكنزماته الذاتية الدافعة لتقديم الحلول إلي قوى تؤرجحها الأحداث.

2 – حزب البعث العربي الاشتراكي؛ أيضا حزب تأثيره في الساحة السياسية طفيفا، والزخم الذي أحدثه في الفترة السابقة يعود لوجوده في السلطة الانتقالية، لكن تاريخه السياسي في أنظمة الحكم في كل من “العراق وسوريا” تاريخ مفارق للديمقراطية تماما، بل تم فيها كل الانتهاكات لحقوق الإنسان، وكانت هناك صلاحيات كاملة للمؤسسات الأمنية التي مارست كل صنوف التعذيب والقتل ضد المعارضين لنظامي الحكم، وحتى هذه الحظة الحزب لم يستطيع أن يقيم تجربتي الحكم في العراق وسوريا، ويجب على الأسئلة لماذا كان مؤيدا لنظم ديكتاتورية؟ لماذا لم يدين انتهاكات حقوق الانسان والقتل في تلك الدولتين، وكان له وجود في كلا القيادتين القوميتين للدولتين، وهي حالة تتطلب مراجعة فكرية، كما أن الحزب أيد انقلاب مايو وأرسل مبعوثا خاصا من القيادة القومية للتأييد محمد سليمان الخليفة الذي سقطت الطائرة التي كانت تقله في الاراضي السعودية، كما كان وراء عدد من الانقلابات في السودان، وبالتالي مطالب الحزب أن يقدم للشعب السوداني إجابة على الأسئلة. وليس مستغربا في الفترة الانتقالية أن ينسى عملية التحول الديمقراطي لأنها ليست من أولوياته.

3 – الحزب الشيوعي السوداني إشكالية الحزب تتمركز في ثلاث قضايا الأولى الائحة التي تعاضد من المركزية الديمقراطية التي تسمح للقاعدة أن تتحاور بالصورة الديمقراطية المطلوبة وأن تحسم القضايا بالتصويت الحر المباشر في القضايا المطروحة، لكن المركزية تقدم رأي الفئة القابضة على مفاصل الحزب، وبذلك تحسم القضايا بالصورة التي تمكنها من السيطرة على الحزب الثانية أن المرجعية الفكرية للحزب تحتاج إلي مراجعة فكرية لكي تتلاءم مع شعارات الديمقراطية، ثالثا أن الحزب الشيوعي له لسانان وهذا يرجع لعمله السياسي من خلال العديد من الواجهات التنظيمية الأخرى، مثالا لذلك يصدر الحزب بيانا يدين تسيس الخدمة المدنية، لكنه في ذات الوقت يعين عضويته من خلال الواجهات “رابطة الأطباء الاشتراكيين – تجمع المهنيين – منظمة لا لقهر النساء – الصحافيين الديمقراطيين – تجمع القوى المدنية وغيرها. ويعتقد أن ذلك يغيب على السياسيين. وشعارات الديمقراطية والحرية التي يرفعها الحزب هي شعارات تكتيكية. والذي ينادي بالحرية والديمقراطية يجب عليه تطبيقها داخل مؤسسته أولا والمسألة الأكثر أهمية أن الحزب حتى الآن لم يستطيع أن يبرز قيادات جديدة تستطيع أن تتفاعل مع العقليات الجديدة المؤمنة بالديمقراطية أيمانا قاطعا وليس تكتيكيا.

4 – حزب المؤتمر السوداني أدى في زمن المعارضة أداء جيدا، واستطاع أن يخلق له تأييد في الشارع يتفاعل معه، بعد الثورة استمر الأداء الجيد، وبدأ يزاحم الكبار في مواقعهم بل ويشكل تهديد لهم، الأمر الذي أرق الحزب الشيوعي الذي بدأ يخرج نفسا حارا ضد الحزب، واتهمه بالمدعومين من الخارج، وفي مرحلة طالب الشيوعي من رئيس المؤتمر السوداني التوقيع علي بيان مشترك مساندة لعملية التغيير عندما تأزم الوضع بين المدنيين والعسكر. رغم إن الحزبين كانا في تحالف واحد قوى الحرية والتغيير. لكن السلطة جذبت المؤتمر السوداني التي أثرت على أدائه في الشارع، وفي نفس الوقت خفض بريقه وسط شباب الثورة، والسلطة قد أنسته شعارات التحول الديمقراطي، لذلك أصبح عيونه حتى الآن متعلقة بالسلطة، الأمر الذي عطلت حتى القدرات الفكرية التي كانت تظهر عند البعض، فالرؤية عنده محصورة للرجوع لما قبل 25 أكتوبر، وليس التحول الديمقراطية، لآن الأخيرة تجعل العقل يبحث عن العودة للمسار الديمقراطي بآليات وأدوات جديدة بعيدا عن طريق الفشل الأول.

5 – تجمع الاتحاديين كان معقودا عليه أن يجري الإصلاحات التي يتطلبها المسار الديمقراطي، ويصبح مرشدا لها بحكم المرجعية الفكرية الليبرالية، لكن التجربة أثبتت كان هدفه؛ كيف يستطيع أن يجعل من “ق ح ت” قوى مناصرة له ضد التيارات الاتحادي الأخرى في الساحة، ويكسب شرعيته بوجوده داخل هذا التحالف لذلك اصبحت السلطة ضامن لاستمراريته. ونسيت قيادته أن الصراع من أجل السلطة مسألة غير مضمونة لأنه صراع مصالح وتتغير التحالفات وفقا لتغير المصالح. وكنت مستغربا جدا؛ عندما يقول نائب رئيس لجنة إزالة التمكين ليس معنيين بتشكيل محكمة الاستئناف، ولا أدري إذا كان كان يعلم أن العدل هو حجر الزاوية في الديمقراطية، المسألة الأخرى كان لدي شباب التجمع الاتحادي فرصة كبيرة أن يجمعوا شتات الاتحاديين برؤى جديدة يصيغونها من خلال الموقع الذي اوجدهم فيه التغيير، إذا كانوا تمسكوا أن تكون عملية التحول الديمقراطي هي أساس الفعل السياسي، لأنها كانت نقلت الحوار السياسي لأفاق أرحب بدلا أن تكون محصورة في السلطة والاستمرار فيها. وكانوا أعادوا للاتحاديين بريقهم وقدرتهم على صناعة الأحداث.

أن الإزمات التي تعاني منها في تحديث مؤسساتها وخلق المواعين الديمقراطية التي توسع دائرة المشاركة، هي التي كانت سببا في عملية أخفاق الفترة الانتقالية ثلاث سنوات، حيث عجز العقل السياسي أن يقدم رؤى لمسألة التحول، ومادام هم الذين حصروا العقل في السلطة والصراع حولها، يجب أن يتحملوا المسؤولية الكبيرة لحالة الإخفاق السياسي سوف يسأل شخص لماذا يهمل المقال العسكر؟ لآن العسكر لا تكوينهم الثقافي يتماشى مع الديمقراطية ولا الإداري والانضباط ملائم للديمقراطية. ومن البداية كان العقل السياسي يكون مدرك إدراكا تاما للشريك الذي يتعامل معه، وبالتالي يكون المصر على تأسيس المؤسسات التي تعتبر قاعدة التحول الديمقراطي، لكن السلطة كانت ومغرياتها صرفت القيادات عن الشعارات التي كانت ترفعها. ونسأل الله حسن البصيرة للجميع.

Comments are closed.