الزين صالح يكتب: الحرية والتغيير ركاب سرجين وقيع 

128

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن

عندما جلست الحرية والتغيير جلستها الأولى مع المكون العسكري، كتبت مقالين تأييدا لها، واعتبرت ذلك بمثابة إختراق لجدار الأزمة السياسية في البلاد، وفي ذات الوقت بموقفها الجديد قد كسرت التابو الذي صنعته اللاءات الثلاث التي كانت قد اطلقت من قبل قوى سياسية أرادت بها محاصرة القوى الأخرى، وتحجيم حركتها السياسية، حتى تصبح رديف لها تأتمر بمقولاتها. والأختراق لا يكتف بالجلوس فقط وتبادل الأراء، بل أن الأختراق نفسه يتطلب تغييرا في الخطاب السياسي لكي يتماشى مع الإستراتيجية الجديدة، وبالتالي تفرض واقعا جديدا.

أن قرار جلوس الحرية المركزي قد نقلها من موقع اليسار المتزمت صاحب الأفق المسدود، إلى موقع الوسط الذي غاب طويلا، والغياب فرضته مجموعة شعارات نشرت بهدف تعطيل العقل السياسي، ومنذ جلوس الحرية الأول مع المكون العسكري بدأ العقل السياسي يتحرك فكريا، وبدأت المقترحات تقدم من قبل المجموعات المختلفة بهدف إحداث إنفراجة في الساحة السياسة. لذلك قدمت الجبهة الثورية مقترحها في الحوار أن يكون على مرحلتين، ثم الورقة التي قدمتها قوى الحرية المركزي للثلاثية تشمل مقترحا من ثلاث مراحل للحوار، وهي خطوة متقدمة جدا، لأنها محاولت لخلق واقع حواري جديد بين القوى المدنية، وفي نفس الوقت يفتح حوارا واسعا حول الورقة المقدمة. وكان المتوقع أن “الحرية المركزي” تشرع مباشرة في الحوار مع القوى السياسية التي شملتها المراحل الثلاث، لكي تخلق الكتلة الشعبية الواسعة الجديدة المناصرة لعملية التحول الديمقراطي، وفي نفس الوقت تحاصر الخطاب الشعبوي الذي يقود إلي الشمولية من جديد إذا كان من تيارات يمينة أو يسارية.

في ظل الأجواء السياسية القاتمة، والمشحونة بخطاب التخوين والاتهامات، تتردد العناصر السياسية في أن تقدم تصورا جديدا يتجاوز خطوط الأزمة، والذي يستطيع أن يقدم على الخطوة أن يذهب لنهايتها دون أن يتردد أو يهاب هجوم الأخرين. أقدمت الحرية المركزي على الخطوة وقدمت مقترحا ممرحلا، لكنها تراجعت عن ذلك رغم موافقتها على جلسة ثانية مع المكون العسكري، أن توقف مقترحها في حدود الثلاثية الدولية، ثم ترجع مرة أخرى لخطابها القديم وتراهن على الثورية. الأمر الذي يؤكد الأتي:-

1- إذا كانت الحرية المركزي تراهن على الثورية، لماذا تبنت خطا جديدا يؤسس على التفاوض وجلست مع المكون العسكري؟ وأيضا لم تكن تعلم أن خطوتها للجلوس سوف تثير قوى سياسية أخرى، لها اعتقاد أن أي منحى سياسي أخر يتجاوز اللاءات الثلاث ويخلق واقعا جديدا لعملية التحول الديمقراطي سوف يجهض مشروعها السياسي؟

2 – هل كانت الحرية المركزي تعلم أن خطوتها بكسر التابو اليساري سوف ينقلها للمنطقة الوسطى، وهذه ليست منطقية جغرافية، ولكنها منطقة سياسية اجتماعية لها خطابها السياسي ووعيها بدورها، وهو خطاب يؤسس على قبول الرأي الأخر، والحوار المفتوح للوصول لمشتركات توافقية، ويؤسس القاعدة الاجتماعية المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي، في ذات الوقت يخلق الثقافة الديمقراطية المطلوبة، الآن العديد في الأجيال الجديدة تحتاج لتوضيح وشرح للمصطلحات السياسية، حتى لا تقع في الخدع السياسية.

3 – كان المتوقع أن الورقة التي قدمتها “الحرية المركزي” أن تنشرها وتقدمها لكل القوى السياسية في الساحة وتفتح حولها حوارا، لكن للأسف أنها لا تملك القناعة أن الفكرة هي التي تحدث التحولات الكبرى في المجتمعات. كما أن الفكرة إذا كان أصحابها مقتنعين بها تحتاج للشجاعة الكافية لتسويقها، والاتصال مع كل القوى المدرجة في المراحل الثلاث لكسب الوقوف معها. فالورقة لا تسوق نفسها ولا الأخرين مجبرين بتسويقها. والاتصال مع كل القوى المدرجة في المراحل الثلاث ليس معناه الضعف والتنازل، بل هو موقف يؤكد إيمان وقوة القوى التي تقوم به، لآن الحوار الجاد والمؤسس على رؤية واضحة سوف يحدث تغييرا في الواقع ليس على مستوى الخطاب لوحده أيضا على مستوى الوعي السياسي والتوافق الوطني.

4 – أن لقاء البرهان مع ” قناة الحرة” أراد أن يرسل فيه رسائل: أولها أنهم لن يتنازلوا عن السلطة لشركاء الأمس. وأن الحوار يجب أن يشمل كل القوى الأخرى ما عدا المؤتمر الوطني. لكن حديث البرهان ليس مقدسا لأن الصراع السياسي يجعل الكل يريد رفع السقف التفاوضي. و هذه يمكن التغلب عليها عبر الحوار المفتوح مع القوى السياسية قبل الدخول في حوار مع العسكر. والعديد من القوى السياسية ليست متمسكة بالفترة الانتقالية، لكنها تريد أن تعرف الموقف ما بعد الفترة الانتقالية وعدم إطالة الفترة الانتقالية، والوصول للانتخابات. للمرة الثالثة هل “الحرية المركزي” تستطيع أن تنجح في لعب دور الوسط الاجتماعي السياسي، أم تتشبح بين المتغيرات. القوى المؤمنة بفكرتها هي التي تستطيع أن تخلق واقعا جديدا.

أن الخطوة التي تبناها حزب الأمة حيث التقى بوفد من قوى الميثاق الوطني تعتبر في الاتجاه الصحيح، حيث تعتبر عملية تسويق للمراحل الثلاث في ورقة “الحرية المركزي”، وكان قد تناول اللقاء الوضع السياسي الراهن وضرورة انهاء الإنقلاب عبر عملية سياسية صادقة، وأبدى الطرفان تفهماً لضرورات العمل على إنهاء الإنقلاب وإستعادة الحكم المدني بالتوافق مع كافة قوى الثورة والتغيير لإعادة البلاد للتحول المدني الديمقراطى وبناء مؤسسات مدنية كاملة الصلاحيات والسلطات. كان المنظور أن الخطوة تأتي من “الحرية المركزي” لكي تتلاءم مع المشروع الجديد الذي يعتبر خطوة متقمة في عملية تأسيس القاعدة الاجتماعية الديمقراطية، وقال حزب الأمة القوي أنه بصدد لقاء مع قوى أخرى وهي خطوة تأتي في درج المرحلة الثالثة من الورقة. وهنا تحاول قيادة حزب الأمة بحكم التجربة السياسية التاريخية أن تجعل مقولة الإمام الراحل أن حزب الأمة قد احتل مكانته في الوسط.

في الجانب الأخرى نجد أن الزملاء في الحزب الشيوعي بدأوا حملة استقطابية، في لملمة الواجهات التي تدين لهم بالولاء من خلال توحيد مواثيق جديدة سموها “الميثاق الثوري” حيث كثرت الأسماء حيث بدأ بالأمس الأول التوقيع على هذا الميثاق الذي يؤكد على اللاءات الثلاث، وفي نفس الوقت يرفع شعار التغيير الجذري، وهي شعارات ليس لها علاقة بقضية الديمقراطية وعملية التحول الديمقراطي في البلاد، بل هي خطوة ترسخ لشمولية جديدة، لكن للأسف سوف تتبني المخلفات الثقافية السياسية للنظام السابق الشمولي، للأسف أن القيادة الاستالينية التي أستلفت فكرة التروتسكية لكي تخدم بها شعار استمرار الثورية، ظلت حبيسة الدغماتية، دون أن تطور أدواتها وأفكارها لكي تلاءم الواقع الجديد، الذي أصبح فيه المواطن لديه القدرة الذاتية في توصيل رؤيته ونقد الرؤى الأخرى، فالدغماتية لا تستطيع أن تكون قوى فاعلة في عملية البناء الديمقراطي في البلاد.

أن “الحرية المركزي” إذا ظلت في حالة من التأرجح لن تنجح لا في الثورية ولا في خيار التفاوض الذي يفضي لعملية التحول الديمقراطي أن الجلوس مع العسكر وتقديم تصور لهم إلي إنهاء الانقلاب، إذا كان يحمل رؤى ثورية أو ديمقراطية هو تفاوض كامل الدسم، وليس التفاوض يعني الاستسلام لمطالب الأخر، بل الضغط عليه لكي يقدم تنازلات تعزز من عملية البناء الديمقراطي. ومادام أختارت أن تكون هي كتلة الوسط فهي سوف تقاتل على الجانبين، ولكن في ذات الوقت هي المناط بها أن تخلق الواقع الجديد، وتخلق الخطاب السياسي الملائم لعملية التحول الديمقراطي، وهي الكتلة التي يلتف حولها كل الذين يؤمنون بالديمقراطية، كما أن “الحرية المركزي” قالت أنها لا تريد الرجوع لما قبل 24 أكتوبر وهذا التصريح سوف يسهل عملية إقناع الشارع بأنها مع سلطة مدنية غير منتمية لكي تحكم الفترة الانتقالية، الأمر الذي يخلق مقومات الثقة مع القوى السياسية الأخرى، وفي نفس الوقت تسهل علمية بناء قاعدة شعبية عريضة مع داعمة للعملية الديمقراطية. نسأل الله حسن البصيرة.

Comments are closed.