الزين صالح يكتب: النجاح لا يصنع برؤية وأدوات الفشل السابقة

347

بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن الورشة التي أقامتها كل من “جريدة الديمقراطي والحرية والتغير المركزي” تعتبر خطوة أولي في طريق البناء الديمقراطي، باعتبارها تعد تشريحا ودراسة موضوعية نقدية لفترة الثلاث سنوات الأولى من الفترة الانتقالية، وهي فترة تحتاج لتقييم ودراسة نقدية ما شابها من إخفاقات ونجاحات، والتي قد ختمت بانقلاب عسكري في 25 أكتوبر 2021م غير صورة المعادلة السياسية التي كانت سائدة، حيث إبرزت عاملا جديدا في الساحة السياسية هي “لجان المقاومة” التي تصدت للانقلاب ومايزال حراكها السياسي في الشارع، هذا الحراك قد شل قدرات السياسيين والعسكريين مجتمعين، لأنه فرض شروطا جديدة للعملية السياسية، حيث دفعت العديد من القوى السياسية أن تحدث تغييرا في خطابها السياسي لكي يتماشى مع بعض من شعارات الشارع.

أن عمل ورشة للتقييم والدراسة عبر منهج نقدي يتجاوز المنهج التبريري الذي كان وما يزال يشكل الإرث الثقافي للسياسة في السودان يعتبر تحول جديد يحتاج لتغيير في الخطاب والممارسة السياسية، وأنني قد تابعت بحكم البعد الجغرافي الأوراق ومناقشتها من خلال الفيديوهات والقراءة في صفحات بعض الصحف الورقية والالكترونية وأيضا تلك التي قد أرسلت إلي في بريدي الخاص وشكرا للراسلين، أن التقييم والنقد السياسي من قبل السياسيين السودانيين تعتبر ثقافة سياسية جديدة، وحتى التي تمت من قبل كان تقييما تبريريا تحاول منه القوى السياسية أو حتى القيادات السياسية أن ترمي الإخفاق على الأخرين، وتسعى لتبرئة الذات والتنظيم، وهي ثقافة فرضتها الرغبة في السلطة وتقديس المؤسسة الحزبية، والخوف أن يستغله الآخر في الصراع السياسي، لذلك كانت السياسة تتراجع ولا تتقدم، لأنها تحافظ على الموروث مع رفع شعارات تتناقض مع هذا الموروث المتحكم في سلوك العاملين في الساحة السياسية.

أن المقال لا يناقش كل الأوراق التي قدمت في الورشة، لأن النقاش يحتاج لقراءة عميقة لأي ورقة، وكنت اعتقد أن تنشر الأوراق قبل الورشة لكي تتيح الفرص للعديد من المهتمين بالشأن السياسي في البلاد، ولكن تذكرت أن جريدة الديمقراطي هي التي تتحكم في ذلك، مستندة لقوانين سوق النشر، وهي المخول لها أن تنشر الأوراق على صفحاتها، وللأسف هي غير موجودة في النت لكي يتم الحصول والقراءة على صفحاتها، والأوراق التي بين يدي لا تتسع لدراسة كاملة، عليه سوف أركز على بعض المقولات التي وردت في بعض الأوراق من خلال تقديم أصحابها، وهي مقولات مختصرة، ولكنها تشكل مداخلا أساسيا لطبيعة التفكير السائدة أو التغيير الذي حدث في الخطاب السياسي، خاصة أن الغائب الأساسي في فترة الثلاث سنوات الماضية هي عملية “التحول الديمقراطي” وكان الجميع يتصارع في السلطة، وكيف الاستمرار فيها، فالرجوع لشعار “الدولة المدنية الديمقراطية” تم بعد حدوث الانقلاب عندما خسرت القيادات السياسية السلطة، فكان رجوعها للشعار هو محاولة للتكفير لكي تجد لها طريقا مرة أخرى للجماهير.

في مداخلة للقيادية بقوي الحرية والتغيير ووزيرة الخارجية السابقة د. مريم الصادق المهدي قالت فيها (بأن الورشة لا تأتي بغرض التبرير وشددت على ضرورة الاستفادة من التجارب والتحول من سياسيين مدربين علي المعارضة لناس مسؤولين في الحكم والاتفاق علي مستقبل للعمل المشترك الراهن إذا ما كان سيقتصر علي اكمال المرحلة الانتقالية أو الاستمرار لما بعدها والانتخابات العامة بسبب التحديات التي تجابه مستقبل البلاد وهشاشة الأوضاع فيها) إذا ذهبت الورشة والأوراق للتبرير، لا تعتبر تقييما للفترة، بل توضح أن القيادات السياسية تريد السير في ذات الطريق السابق. وهذا يرجعنا لقول أنشتاين (الغباء هو فعل الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة) السؤال الذي لم تجيب عليه بعض الأوراق التي استمعت لتقديمها والحوار حولها لماذا غاب شعار “عملية التحول الديمقراطي” في الثلاث سنوات وكان الصراع بين المدنين مع بعضهم البعض حول السلطة وبين المدنيين والعسكريين حول السلطة؟ وهناك بعض المبررين الذين يقولون أن عملية التحول نفسها تحدث من خلال السلطة..! صحيح لكن القيادات يكون تركيزها دائما كيف تؤسس المؤسسات التي تشكل حجر الزاوية لعملية التحول الديمقراطي، وكان الخلاف يبرز على هذه الإشكالية. وكل عمل تقوم به السلطة يجب أن يرسي قيما وثقافة ديمقراطية في المجتمع. فمثلا إذا أخذنا “لجنة التفكيك” كان المنتظر أن اللجنة من خلال عملها في تفكيك وإعادة الأموال أن ترسي قيم العدالة في المجتمع لأنها القيم التي تشكل أهم أعمدة الديمقراطية، لكن للأسف كان الهدف هو أن تثير حماس الشارع لكي يلتف حولها “Drama Show” مما يؤكد أن الذهن كان مرهون للتفكير حول السلطة.

في منعطف أخر قال القيادي بحزب المؤتمر السوداني والقيادي بقوى الحرية والتغيير المهندس خالد عمر في تقييمه وفي حديثه هذه الفقرة (كيف نضمن في عملية التحول الديمقراطي مشاركة اوسع قاعدة جماهيرية) هل كان للحرية والتغيير قبل الانقلاب مشروعا مفصلا لكي يتم محاسبتها وفقا لهذا المشروع المفصل، لذلك كانت الحكومة الأولي تجتهد من خلال الممارسة، وبعد الانقلاب كتبت رؤية للحل سلمتها للجنة الثلاثية الدولية ولم تقدمه للجماهير للمدراسة والحوار عليه، كيف تستطيع أن تبني قاعدة جماهير على اعتقاد هؤلاء كمبارس يمكن دعوتهم حسب رؤية المخرج.

واوضحت ورقة خالد عمر “أن الحرية والتغيير تفاجات في أكتوبر 2019م بتوقيع اعلان جوبا بواسطة نائب رئيس مجلس السيادة بالتشاور مع رئيس الوزراء والذي نص علي تأجيل تشكيل المجلس التشريعي حتي التوقيع علي اتفاق السلام في مدة لا تتجاوز الشهرين وهو الاتفاق الذي تم تجديده لعدة مرات والاعتراض عليه من قبل الحرية والتغيير وتمسك اطراف العملية السلمية به” والسؤال ماذا فعلت قوى الحرية والتغيير بعد ذلك؟ لأنها لم تقدم ورقة لرئيس الوزراء تبين فيه كيف تكون العلاقة بين السلطة التنفيذية والحاضنة السياسية. ولذلك كانت الحاضنة على هامش العملية التنفيذية. فالتقيم الذي يتم يجب أن يكشف أين كان الإخفاق. كما أن الحرية والتغيير كانت محصورة في الشعارات الأمر الذي يؤكد غياب القيادات التي كان من المفترض أن تقوم بالأعمال الفكرية، باعتبار أنها هي التي تستطيع أن تدرس الخطاب السياسي السائد في الواقع وتفحص الأدوات لكي تكتشف أين مكامن الخلل، وكان تقود الجماهير لمشروع مفصل تستطيع أن تعبر به، وحتى بعد الانقلاب هي ركزت نفسها في تجميع قوى الثورة وهي تعلم تماما أن الذي تدعو له يوجه بتحديات الحرية والتغيير تسببت فيه من خلال الفترة السابقة. والديمقراطية لا تؤسس بالشعارت بل بالممارسة المستمرة، وأيضا ممارسة المنهج النقدي لهذه الممارسة، حتى تستطيع أن تتخطى الاخطاء والتحديات بيسر. وكما قال محمد الفكي في اللقاء الذي كان قد أجراه معه بكري المدني في ” قناة البلد” قال (أننا نعلم أن الشارع له موقف من قوى الحرية) فالمسألة مع التقييم تحتاج لتغيير منهجي في عمل الحرية والتغيير، والتي تستخدم إشارة تدل على أنها تريد أن تتبع ذات المنهج السابق، عندما تقول القيادات “يجب مخاطبة جذور المشكلة” هذه المقولة تعني رجوع السلطة لها، وهذا طلب غير واقعي. فالانقلاب قد أحدث تغييرا في الواقع السياسي، وتجاوز هذا الواقع لا يسمح بالعودة للماضي، خاص الذي تسبب فيه، بل الساحة السياسية تحتاج لخطاب جديد، ومنهج سياسي جديد يركز على فكرة التحول الديمقراطي. التي تم إسقاطها في الثلاث سنوات الماضية.

يقول محمد الفكي (أن الفريضة الغائبة لهزيمة الانقلاب تتمثل في وحدة قوي المقاومة في جبهة مدنية متحدة مشيرة إلي أن الجهود التي بذلت تجعل تحقيق هذا الهدف أقرب من اي وقت مضى) وحدة قوى المقاومة والقوى الثورية لا تحدث تحولا ديمقراطيا في ظل رغبة السلطة عند الجميع، الذي يهزم الانقلاب والمشروعات الشمولية المطروحة في الساحة السياسية، هو المشروع الديمقراطي المفصل، الذي تقف معه القوى الساعية فعليا أن تؤسس “الدولة المدنية الديمقراطية” وهذا المشروع يطرح للنقاش والحوار مع كل القوى السياسية، وخاصة القوى السياسية التي مرجعياتها لا تتوافق مع الديمقراطية. وحتى نصل للأوراق التي قدمت في الورشة جميعها نحاول قرأتها ودراستها ونقدم الرؤية النقدية.

أن ورشة التقييم تعتبر خطوة في الطريق الصحيح لبناءثقافة تتلاءم مع شعارات الديمقراطية، وتفتح أبواب للحوار حولها، ويجب أن لا يكون الحوار قاصرا فقط على الورشة بل يجب أن يتواصل لأنه هو الذي يخلق الوعي الجديد في المجتمع. ونسأل الله التوفيق وحسن البصيرة.

Comments are closed.